أ. راما ماهر الشجراوي أردنية، من أصول فلسطينية كاتبة للخواطر والمقالات، ومدونة في الجزيرة، حاصلة على شهادة جامعية في اللغة الإنجليزية وآدابها وتعمل في مجال التعليم
رماد وصفير حاد.. هنا قد دُفنوا وهناك قد انتفضوا
وإن تمادى العدوان سنظل صغارًا نجري خلف الكرة المتدحرجة، شبابًا في مقتبل العمر نجري وراء أحلامنا وقيود عوائقها، شابات نرسم في مخيلاتنا سُبل أحلام يقظتنا، رجالًا نتراكض خلف لقمة عيشنا، نساءً نلد أطفالًا أحرارًا نعلّمهم حرب الحجارة والسكين، ومسنين ننتظر حق العودة.. وجميعنا لا زلنا نحلم بحق الأمان.
- هنا أقسمنا على أن نكمل سويًّا متعثرين بركام منزلنا..
- هنا كان بيتي، كان..
- هنا أمي دُفنت وروحي أيضًا..
- وهناك لا زال الكثير منا ما بين الصخور والركام، منهم شقيقي، دميتي وسريري، حتى أبي..
تراكم الحزن بدواخلنا و تدافعت دموعنا منهمرة على أعتاب شريط الأخبار، نترقب الخير بين حروفٍ تقاسمت الشقاء والدماء، وحروفٍ أخرى كانت قد زفت شهداء أبرياء.
شاشات هواتفنا تكتمت على هول عجزنا، وتبادل الأفراد نظرات اليأس، ماذا سنفعل ونحن هنا جالسين دون حراك؟!
بين الشوارع والأزقّة، مرورًا بالحارات والمنازل، تدافع الملايين نحو الحدود طالبين الجهاد والشهادة.
وجه الكتاب انقلب على جانبيه؛ خوفًا من تكرار خرق المعايير المجتمعية كما ادّعوا، حظر تلو آخر والجميع لا زالوا مستمرين، وكأنها راية النصر تلتف بين الجميع دون توقف.
قُسمت الشاشة لعدة أقسام، وجوه متعددة في أماكن مختلفة، تسمّروا هناك؛ مُقسمين على إيصال ما يدور خلف أكاذيب الثانية عشر والعبرية.
الأقصى نادت، فنهضت غزة و لبّت النداء، لتدوي بعدها صافرات الإنذار بين أرجاء تل أبيب وعسقلان وغيرها.
عند التاسعة مساءً و في منتصف الليل أُضيئت السماء بأهلة العيد، وتناثر الشباب على الطرقات مكبرين، أما أطفالهم متمركزين في زاوية الأمان لديهم يذكرون الله، خوفًا،حزنًا و طمعًا بالشهادة رغم قصور أفكارهم.
باتت تكبيرات العيد تصدح في الأرجاء، الجميع مستيقظ، تجمهرت العوائل حول التلفاز منتظرين رشقات الأمل والنصر مجددًا، وإن عادوا فالموت ينتظرهم بأشكال عدة.
شهيد تلو الآخر، ورشقات تليها الأخرى، طفل آخر وضع بجانب أخيه في الثلاجة، وهناك دَبّ الرعب في قلوبهم، كقطعان الخراف يجرون في الشوارع نحو ملاجىء الذل حيث يحتمون من صواريخ العزة، وهناك لا زالوا ينتشلون بجثث عائلة كاملة كانت قد رحلت سويةً نحو جنات الخلد بإذنه تعالى.
تعطشت أعيننا إلى النوم، و تباكت أجسادنا الراحة، لكن الحزن فاق قدراتنا، فبتنا الليالي أمام شاشة التلفاز، متنقلين ما بينها وبين هواتفنا، أبكانا الرماد، و أهلكتنا نظرات الأطفال، أدمت قلوبنا صرخات الثُكالى و كسرتنا ضحكات الجرحى.
من هنا خرجت جنازة شهيد و من هناك وُدّع آخر، أما ما بين هنا وهناك لا زالت الطائرات تمحق تعب سنينهم.
في هدوء فجر الحادي والعشرون من آيار أُعلن النصر، توقف إطلاق النار، أُخمدت الحرائق و دفنت الأجساد، تعالت تكبيرات الفخر والعزة وتناثرت الأغاني بين الجميع، ولكن من سيعيد ضحكات الأطفال ولهوهم ويعيد للشباب همتهم، من سيمحي صور الأشلاء من ذاكرتهم ومن سيعمر الفرح في قلوبهم!
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!