ليلة الهِجرَةِ: مَشاعر وأحداث
ليلة الهِجرَةِ كانت تُبيّتُ أعظمُ جريمة ضدّ الإِنسانيَّة كلّها.. جريمة بحجم قتل الإنسان حيث كان، وإلغاء وجوده. اكتملت خيوط الجريمة، وحبكت أركانها، ولم تبق إلاّ لحظة التنفيذ وساعتها الحاسمة.. وكان كلّ شيء يتمّ برعاية إبليس وتوجيهه..
فلماذا هذه المُؤامرة؟ كانت بيوتات مكّة تتفرّغ من أبنائها وشبابها وتنقص يوماً بعد يوم؛ بحركة من الهجرة الخفيّة الصامتة، بعد أن أذن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه بالهجرة.. وكان كبار القوم يحسّون بالخطر المُحدق القادم، ولا بدّ من الوقوف في وجهه، قبل أن يكون إعصاراً يهدّد وجودهم وكيانهم، ولا شكّ أنّ الخطر الأكبر في نظرهم هو الوجود المُحمّديّ ذاته.
كانت الحركة في مكّة ومن جوار الكعبة الأسيرة لقوّة المُشركين غير طبيعيّة، رجالات قريش يتحرّكون بدأب، ويحرّكون الشباب المُؤتمر بأمرهم، والشباب الأشدّاء المُتحمّسون بغير وعي ولا تفكير، كانوا على غاية الأهبة والاستعداد..
والناسُ ومنهم بنو هاشم في بيوتهم غافلون نائمون، لا يعرفون ما دبّر في دار الندوة من جريمة نكراء؛ ولعلّ كثيراً منهم تأبى فطرتهم وطبيعتهم تلك الجريمة، ولكنَّ الشرَّ إذا عصف بالعقول خرّب فيها كلَّ رشد وَحِكمة، وجعل الناس ينساقون وراءه كالقطيع..
وكانت يد القدر تنسج خيوطاً أخرى، غير ما يخطّط هَؤلاء البشر. كانت تنسج عنايتها الخاصّة الفائقة، لمَخلوق سيرسل بالرحمة العظمى للعالمين. ومَن أولى منه بتلك العناية؟! مَخلوق؛ ستولد على يده الإِنسانيَّة من جديد. مَخلوق سيغيّر الله به الإنسان غير الإنسان، والأرض غير الأرض، وسيكتب على يديه تاريخ الإِنسان، خليفة لله في الأرض، ليكون الإنسان الذي تحفّه المَلائكة وترعاه، لا الإنسان الذي تحرّكه الشياطين وتؤزّه لكلّ شرّ، وكانت مَلائكة السماء، ترنو إلى ما يدبّر في الأرض بخشية وإشفاق.. « يا ربّ! أدرك عبدك ومصطفاك! أتطاله يد الغدر والإجرام؟! ويكون قدره في الأرض كقدر بعض الأنبياء من قبل؟!».
ومع اشتداد ظلام الليل كانت أركان الجريمة يتكامل إحكامها حول بيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فالرجال الأشداء محدقون بالبيت من كلّ جانب، ولحظات الليل تمرّ وكأنّها ثقيلة متباطئة، أو سريعة متوتّرة.
ويلخّص المَشهد كلّه هذه الآية بجملها المُعجزة، التي كشفت للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيوط المُؤامرة: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ}[الأنفال:30]، لِيُثْبِتُوكَ: (بالحبس حتّى المَوت)، أَوْ يَقْتُلُوكَ.. أَوْ يُخْرِجُوكَ..
وجاء الردّ الإلهيّ حاسماً متحدّياً: وَيَمْكُرُونَ.. وَيَمْكُرُ اللهُ.. وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ.. والمَكر في اللغة هو التدبير الخفيّ بخير أو شرّ، وشاع في الشرِّ.. وهو في حقّ الله جلّ وعلا لا يَكون إلاّ بمَا فيه خير العبَاد ورشدهم وصَلاح شأنهم في العاجل والآجل، والدنيا والآخرة. فكيف كان تدبير الله لنبيّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وفي الطرف الآخر من المَشهد كان بيت النبوّة هادئاً وادعاً مطمئنّاً، تسيّره يَد القدر الغالبة المُتحدّية، التي لها الكلمة العليا في كلّ شأن.
وتصوّر المَشهد تلك الفتاة الذكيّة الواعية، الصدّيقة بنت الصدّيق عَائِشَةُ فتقول:
«... فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ، فَقَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبي وأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ! قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ. قَالَتْ عائشة: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ. فَقَالَ أَبُو بكر: الصُّحْبَةَ بأبي أَنْت وأُمِّي! قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ. قَالَ أَبُو بكر: فَخذ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالثّمن».
ولم يذكر لنا تاريخ السيرة النبوِيّة تفصيلاً أكثر عمّا دار في هذا اللقاء الخاصّ جدّاً، الذي جرى في بيت الصدّيق، ولكنّ الأحداث التي جرت بعد تدلّ عليه، بما يوحي من تنظيم وإحكام، أخذَ به النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبه في ترتيب هذه الهجرة مع توْجيه الوَحيِ، وتسديده وإرشاده.
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها: « فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجَهَازِ (أي: أسرعه، وتروى: أحبّ الجهاز)، فَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً (أي: زاداً) فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بكر قِطْعَة من نطاقها بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.. ».
قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَمَكَثَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ (أي: حاذق، ولقن أي: سريع الفَهم)، فَيَدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، لَا يسمع أمراً يكادان بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العَشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ.
وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عيله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيًا خِرِّيتًا. وَالخِرِّيتُ: المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ. قَدْ غَمَسَ حِلْفًا (أي: عقده. وَكَانُوا يغمسون أَيْديهم فِي جَفْنَة توكيدًا للحلف) فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثِ لَيَالٍ.
وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.
وليلة الهجرة.. جاء جبريل عليه السلام فأخبر النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بما تآمر القوم، وأمره ألاّ ينام في مضجعه تلك الليلة، وأمر عليّاً أن يبيت تلك الليلة على فراشه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلّي بن أبي طالب رضي اللَّهُ عنه: « نم على فراشي، وتسَجّ ببردي هذا الحضرميّ الأخضر، فنم فيه، فإنّه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم »، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام ». كما في سيرة ابن هشام (1/482).
واجتمع أولئك النفر يتطلعون من صير الباب (أي: شق الباب) ويرصدونه يريدون بياته.. فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليهم. فأخذ حفنة من البطحاء فذرّها على رؤوسهم، وهو يتلو: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس:9]، وأنزل اللَّه تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} [الأنفال:30].
ومضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بيت أبي بكر؛ فخرجا من خوخة في بيت أبي بكر ليلاً، فجاء رجل فرأى القوم ببابه، فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمّداً. قال: خبتم وخسرتم، قد واللَّه مرّ بكم، وذرّ على رؤوسكم التراب. قالوا: واللَّه ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
فلمّا أصبحوا: قام علي رضي اللَّه عنه عن الفراش، فسألوه عن محمّد؟ فقال: لا علم لي به، ومضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر إلى غار ثور..
واشتدّ بحث المُشركين عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه في كلّ اتّجاه، حتّى وصل المُطاردون إلى باب الغار، ولكنّ الله غالب على أمره، وقد تحدّاهم سبحانه أن يبطل كيدهم..
روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الغار فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما.. وفيه نزل قول الله تعالى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].
ولا بدّ أن تعُود بنا الذاكرة اليوم، وفي هذه الساعات الحاسمة إلى أوّل العهد بالوحي الإلهيّ، يوم أن طمأن وَرَقَةُ بن نوفل النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّ ما جاءهُ هوَ الوحي من عند الله تعالى بلا شكّ ولا ارتياب، ولكنّه قَالَ لَهُ: يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا، إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتعجّباً: « أَو مخرجى هُمْ ؟! »، فَقَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا كُذّب وعُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.. وها هم اليوم يخرجونه.. وتلكَ سُنّة الله جلّ وعلا في الَّذِين خلوا من قبل..
وفي اللحظات الأخيرة من عهد النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأرض مكّة. يطلق نظرة وداع حزينة، وهو يخلّف وراءه ربوعها، ومعهد نشأته فيها، وذكريات رسَالته ودعوته، ويقول كلمات مفعمات بالحبّ والحنين: « وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ الأَرْضِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ.. ».
تلك الكلمات التي تصوّر عُمق جرح الإنسان، الذي يهجّر من وطنه، وشناعة الجريمة التي ترتكب بحقّ إنسانيّته وكرامته. فكيف إذا كان الوطن مكّة، حرم الله الآمن؟
هكذا هي الهجرة في حقيقتها، وهكذا هي دائماً، إذا كانت في سبيل الله: إنّها تاج عزّ وفخار على رؤوس الذين يضحّون في سبيل عقيدتهم ومبادئهم بكلّ شيء، ولا يؤثرون عليها وطناً أو أهلاً أو مالاً.. وهي وصمة خزي وعار على رؤوس أولئك الطغاة الظالمِين، المُفسدين في الأرض، الذين يريدون حرمان الإنسان من حرّيّته وكرامته، أهمّ حقوق إنسانيّته، ويريدون استعباده وتسخيره لشهواتهم ومآربهم..
وتلك أوضح صورة، وأقدم صورة للصراع بين الحقّ والباطل، والظلم والعدل، والخير والشرّ.. وإنّ للمُؤمنين في كلّ زمان ومكان لعبرة حاضرة ماثلة من هجرة النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وممّا جرى للمُؤمنين عبر القرون من ذلك، ويكفيهم ذلك عزاءً عمّا يلاقون من كيد الكائدين، وظلم الظالمِين، وما سجّله القرآن الكريم من الوعد الكريم للمُهاجرين الصادقين: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} [التوبة:20ــ21].
وعَنْ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: « اللّهُمَّ أَمْضِ لأصحابي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ». رواه البخاريّ.
ولقد كان الخليفة المُلهم الراشد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، يدرك وزن الهجرة، في الصراع بين الحقّ والباطل، وأبعادها العقديّة والدعويّة، فخلّد ذكرها، إذ جعلها مبتدأ التاريخ الإسلاميّ، ولم يبتدئه بالمَولد النبويّ ولا البعثة، وتلك عبقريّة من عبقريّاته رضي الله عنه.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن