أ. راما ماهر الشجراوي أردنية، من أصول فلسطينية كاتبة للخواطر والمقالات، ومدونة في الجزيرة، حاصلة على شهادة جامعية في اللغة الإنجليزية وآدابها وتعمل في مجال التعليم
ماسّة
لست من اللواتي يشاركن كل ما يحصل لهنّ، ويكتبنّ المدونات في كل أمر. أحب الكتابة عن العمل والقصص والحب والسياسة، لكنّ الأمر سيكون مختلفًا الآن.
الحقيقة هي؛ أنني أردت صنع من كل ما يحصل الآن، وما سيحصل لاحقًا كذكرى مريرة ، سأقرؤها ذات يوم مبتسمة بمرور كل هذا الوقت، متعجبة من تغير الأحوال والحال.
في البداية أنا "راما "، كاتبة في مقتبل العمر، أكتب الخواطر وأصنع منها جملًا للاقتباسات، دونت مجموعة من المدونات الأقرب لقلبي، تعلمت اللغة الإنجليزية في الجامعة، وأحب استخدام المفردات العربية عند التعبير عن شيء ما، أحب رائحة أوراق الكتب والروايات، وأقرأ الكثير دون وعي مني.
لا زلت أصارع هذه الحياة بكل ما فيني، أتقدم إلى الأمام رغم تدافع الآخرين نحو الخلف، شهدت وباء كورونا، وارتديت الكمامة خوفًا من المرض، لكنني أصبت به، ورقدت في السرير حتى تمام الشفاء، بكيت حين غاب صوت "شيرين أبو عاقلة، الجزيرة "، أبكتني جثث الشهداء في غزة.
وفرحت بوابل صواريخ المقاومة، غرقت في حلقات مسلسلي السخيف، تابعت كأس العالم وفرحت بفوز الأرجنتين، وفي كل مرة أجلس صاغية أمام شاشة التلفاز أتابع فيها أحوال "فلسطين".
لكن الأهم من ذلك أنه لديّ طفلة صغيرة تدعى "ماسة"، اختارها الله أن تكون مميزة عن أقرانها، وكأنها الألماس اللامع ما بين لمعانهم الخافت، طفلتي الصغيرة لا تستطيع سماعنا وسماع الأصوات حولها، أضع لها في كل صباح سماعات تعينها على التقاط مصادر أصواتنا وأصوات ألعابها، تتشابك أيدينا في محاولات كل واحدة منا بفعل ما تريده، أما عني فإني أدافعها لأضع لها سماعاتها، أما هي فترفض وتأبى ذلك وتهمّ دائمًا بالهرب مني.
كانت رحلة استكشافي للأمر متضاربة، في كل مرة شكوكي كانت في ازدياد، كنت أحاول الامتناع عن التفكير، مهوّنة على نفسي بأنها لا زالت صغيرة، وأن قدرات الأطفال في تفاوت، لكنني في النهاية واجهت ما كنت أخشاه.
لا أنكر أنني في كل مرة كنت أقول مخاطبة لنفسي، لماذا؟ لماذا طفلتي بالتحديد!
في الحقيقة، لا أستطيع أن أحصي عدد الليالي التي بتُّ فيها باكية، أنظر إلى تلك الملامح البريئة، النائمة وأزداد في شهقاتي، ودموعي في انهمارٍ متدافع وكأنها تخشى ثقل الهموم، ما ذنب الصغيرة أن تواجه هذا العالم المخيف بأفكاره!
كنت في كل مرة أود لو انتزع أذناي وأغوص في عالمها الهادىء، أن أشعر بما تشعر به طفلتي، أن أكون قادرةً على فهم ما تريده بسهولة، أن تدرك حين تكبر أنها ليست الوحيدة من تعاني.
لا أخفي عليكم أنني كنت حين أشعر بالضعف ويغافلني اليأس، أبحث في هاتفي على اسم أبث فيه مكنونات قلبي المكسورة، أبحث عن أناملٍ تكاد تمسح الدمعة وتفسح الطريق حتى تتبعها الدمعات الأخريات، كنت في كل مرة أكتب فيها لإحداهنّ، تقف في مواجهتي الشفقة، وتكف يداي عن الكتابة وترديني غريقة التفكير المقيت.
تهامس في أذني الكلام المحبط، وتلتف حول عنق أمالي مشنقة التخاذل، لكنني كنت في كل مرة أزداد يقينًا بالله تعالى، وحكمته في كل شيء، ما كان ول ازال يهدىء ضجيج روحي ويلملم شتات انكساراتي هي مواساتي لنفسي؛ بأن الله اختارها لتكون بصمة فخر لنا في المستقبل وأنا كلي يقينًا بالأمر.
في النهاية ، كثير من الأوقات كان لا يواسيني فيها كلام بعض الناس أبدًا، ولا حتى كلام المهونون على نفسي بكلامهم القاسي ظنًّا منهم بأنهم يبثون القوة بداخلي، ليتهم يعلمون بأن مواساتهم لا تجدي نفعًا، واستخفافهم بألمي لا يحرك شيئًا بداخلي، بل لا زلت أكاد أنفر منهم، حتى الجلوس برفقتهم أصبح مقيتًا بالنسبة لي، و كأن عالمي أصبح يرتكز على ابتسامة طفلتي ومحاولتها لمناداتنا بـ "ماما" و "بابا".
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
مسرى الأرض ومعراج السماء.. بيان وأضواء!
عامٌ مَرّ..
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب! الجزء الثاني
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب!
ضَوْءٌ لَمَعَ وَسَطَ المَدِينَة