الصوم يربّي الإرادة
الصّيام شهر الصّبر، وشهر الإرادة، ما الذي يجعل المسلمين متخلِّفين عن مستوى دينهم؟ هو ضَعفُ إرادتهم؛ لأنّ الإسلام _من فضْل الله عزَّ وجلَّ_ أصْبحَ ظاهرًا جليًّا، وهذا الدِّين العظيم أصبح واضحًا للناس، ما الذي يجعل الإنسان في مستوًى ودينه في مستوًى أعلى بكثير؟ ما الذي يُقْعِدُه عن طلب هذا العلوّ؟ ما الذي يُقْعِدُه عن طلب هذا المجْد؟ ما الذي يُقْعِدُه عن أن يكون بطلًا من أبطال الدِّين؟ هو ضَعف الإرادة.
- الصوم لا يقبَل التناقض
إنَّ الصّيامَ دَوْرةٌ تدْريبيّة على تقويَة الإرادة، لا بدّ من أن تصلِّيَ الفجرَ في المسجد، ولا بد من أن تقرأ القرآن، ولا بدّ من أن تغضَّ البصَر، ولا بدّ من أن تضبط لسانَك؛ لأنَّه لا يُعقل أن تدَعَ الطّعامَ والشراب، ويبقى اللّسان طليقًا في الغِيبة والنميمة، وتبقى العَينُ طليقةً في النّظر إلى النّساء، شيءٌ لا يُقبل؛ تناقضٌ مُريع، مُفارقة حادّة، أن تتْرُك الطّعام والشّراب وأن تفْعل المعاصي؛ لأنَّ ترْكَ الطّعام والشراب يَحْمِلُك على غضّ البصر، وعلى ضبْط اللّسان، وعلى ضبْط الجوارح، إذًا هذا الشّهر العظيم يدْفعُك إلى طاعة الله، ويدفعُكَ إلى ترْك ما نهى الله عنه عن طريق نهْيِهِ عن المباحات التي أباحها لك في أيّام الفِطْر.
- رمضانُ فرصةُ الانتصار على النفس
إنَّ رمضانَ فرصةٌ ذهبيّة سَنوية يصطلح فيه الصائم مع الله، فهذا الذي يغتاب، هذا الذي يشهد شهادة زور، هذا الذي يَحلِف أَيْمانًا كاذبة، هذا الذي يُطلق بصرَه في رمضان، هو ممتنع – الآن- عما هو مباح خارج رمضان، فلأَنْ يكون ممتنعًا عن الحرام في رمضان من باب أَولى.
هذا الذي لا يستطيع أن يدعَ طعامَه وشرابه، ولا يستطيع أن يدعَ معاشرةَ أهله، ولا أن يدع المعاصي والآثام، هذا منهزمٌ أمام نفسه، ولن يستطيع أن ينتصرَ على عدوٍّ في حياته كلِّها، لن تستطيع أنْ تنتصرَ على عدوٍّ إلا إذا كنت منتصراً على نفسِك في رمضان، ولمّا كان النبيّ صلى الله عليه وسلّم من بني البشر، ولمّا كان يجري عليه كلُّ ما يجري على البشر، انتصر على نفسه فكان سيَّدَ البشر.
- الصوم تدريبٌ على المشقّة:
الصوم عبادةٌ تدرّبك على المشقة؛ ألّا تأكل، ألّا تشرب، فيه إعداد نفسيّ رائع جدًا، كلما طلب الطفل شيئاً يُقدّم له، حينما يكبر لا يحتمل، أما طفل يشتهي هذا الطعام، ولم يأت به والدُه، حينما يعاني الإنسان بعضَ المتاعب تتربَّى نفسُه تربيةً عالية جدًا، فالمسلم أمام دعوة، أمام نشر حق، أمام جهاد، يجب أن يتدرّبَ في أيام السِّلم على تحمّل بعض المشقات، وأقلُّ مشقة يتحملها ترك الطعام والشراب، الحياةُ رسالة، الحياة هدف، الحياة عمل، الحياة جهاد، الحياة بذل، الحياة تضحية، فالصيام يدرّبك على أقل مشقة يمكن أن تحتملها، أن تدع الطعام والشراب من الفجر، وحتى غياب الشمس.
- الصوم تدريبٌ على المهمّات:
لماذا في الكُّلية الحربية يدرِّبون المغاوير على أكل الأفاعي، وعلى أعمال شاقّة، على اختراق النار أحيانًا، على القفز من مكان مرتفع، التعلُّق بالحبال؟ إنها تدريبات قاسية جدًا؛ لأن هؤلاء المغاوير أمامهم مهماتٌ صعبة جدًا، أنت حينما تفهم أن الحياة استرخاء واستمتاع تكون بعيدًا بُعد الأرض عن السماء عن فَهم حقيقة الحياة، نحن في دار تكليف، ولسنا في دار تشريف، نحن في دار عمل، ولسنا في دار أمل، نحن في دارٍ نسعى فيها لجنة عرضها السماوات والأرض، لذلك قال شوقي:
قِف دونَ رأيِك في الحــياة مجاهدًا إنّ الحيـــــــــــــــاةَ عقيــــــــــــــــدةٌ وجهـــــــــــــــــــــاد
هذا الشهر تدريبٌ على تحمّل المَشاق، وإعداد القلوب للتقوى والشفافية والحساسية والخَشية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (سورة البقرة: 183).
- الصوم تدريب يربِّي الإرادة:
والصوم إعداد للأمّة التي فُرض عليها الجهاد في سبيل الله، وهو أعظم مربٍّ للإرادة، وعندنا مشكلة أن الإنسان كلُّ طلباته متوافرة، لا يحتمل أن يجوعَ، لكن حينما يأتي شهر الصيام، وهو غنيّ، وهو قادر أن يأكل أطيبَ الطعام قيمتنع عن الطعام والشراب، يشعر بالعبودية لله أحياناً.
أهمُّ شخصية في الأرض إذا صامت من بعد الظهر كلُّ خواطرِها كأسُ شراب، كأس عصير، ماء بارد، فالإنسان مفتقر إلى لقمة طعام، هذا من أجل أن تعرفَ من أنت، أنت عبدٌ؛ لذلك وُصف الأنبياءُ بأنهم كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، إذًا: ليسوا آلهةً، حياتهم متوقِّفة على لُقمة طعام، وعلى شَربة ماء، فكلُّ عَظَمَةِ الإنسان تفتقر إلى شربة ماء، وهذا العالِم الواعظ ابنُ السمَّاك الذي قال لهارون الرشيد: يا أميرَ المؤمنين، بِكَمْ تشتري هذا الكأس إذا مُنع منك؟ قال: بنصف مُلكي. فقال: لو مُنِعْتَ خروجَها من بدنك، بماذا كنت تشتري خروجَها؟ قال الرشيد: بجميع ملكي! فقال ابن السمَّاك: لا خيرَ في مُلْكٍ لا يساوي شربة ماء.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة