ماذا سيقول عني الناس؟
مها، ربة منزل مخلصة وأُم مدبِّرة، مثلها مثل الكثير من النساء اللواتي يحرصن على أن يجعلن أُسَرهن تعيش الأفضل دون أن يشعر أحد أفرادها ابتداء من زوجها وانتهاء بابنها الرضيع، أنه ينقصهم أي شيء عن المجتمع الذي يعيشون فيه.
ومثلها مثل أي ربة بيت مخلصة، تسعد بقدوم شهر رمضان المبارك لما له من أجواء روحانية وأسرية خاصة، لا تتكرر في أي شهر آخر من أشهر العام. إلا أن هناك هَمّاً يقضّ سعادتها باقتراب هذا الشهر الفضيل، ألا وهو هَمّ المصروف.
فزوجها يمتلك مطعماً صغيراً يدرّ ربحاً معقولاً على البيت يكاد يكون ثابتاً ومستقراً في جميع أيام السنة، إلا في شهر رمضان، حيث يغلق المطعم أبوابه إلى ما بعد الإفطار، ولا يجد المرء الرواج الكافي للمطاعم بعد الإفطار خصوصاً في أوقات الصيف، حيث تصبح الساعة الحادية عشرة مساء بمجرد الانتهاء من صلاة التراويح، مما يُلغي أي احتمال للمسامرة أو دخول المطاعم بعدها. وهذا يعني بالتالي إفلاساً صعباً للعائلة، ما لم تتدارك أمرها قبل ذلك وتهيئ نفسها طيلة العام لهذا الشهر، وتدّخر من المصروف ما يُعينها على الحياة الكريمة فيه.
وكم يكون الأمر صعباً عندما يكون الشهر الأقل دخلاً هو الشهر الأكثر صرفاً! فمن دعوات وولائم إلى هدايا ومجاملات في صلة الرحم، إلى العيد بمصروفه الضخم، الذي ينتظره الأولاد بفارغ الصبر لشراء الثياب والأحذية الجديدة، غير عيديات الأسرة الممتدة من خالات وعمات وأخوات، وكل هذا يحتاج إلى المال بل الكثير منه أيضاً.
اقترب رمضان وبدأ هَمّ مها يتزايد. كيف تستطيع أن تمرّ بأسرتها بسلام خلال هذا الشهر؟ خصوصاً أنّ المبلغ الذي جمعته حتى الآن غير كافٍ بتقديرها، وزوجها يَعِدُها بالمزيد، ولكن من أين والالتزامات المالية لا تُبقي ولا تَذر؟ هل تضحّي ببعض الولائم؟ لكن بماذا تتحجج؟ هل تجمع أولادها وتخبرهم برغبتها في اختصار مشتريات العيد إلى الثياب فقط؟ وبعض الحلوى البسيطة؟
لكن كيف ستكون ردة فعل أولادها؟ هي لا تريد أبداً أن تجعلهم يشعرون وكأنهم أقل من غيرهم؟
هل تستدين من والديها؟ لكن هذا لن يعجب زوجها!!
ما الحل؟
الواقع، أنه لو ابتعدنا قليلاً عن أفكار مها المتضاربة، وعجزها التام عن إيجاد حل في هذه الظروف، فإن المشكلة تكمن في عبارة واحدة، تعاني منها معظم النساء للأسف، وهي: (ماذا سيقول الناس عنا؟).
من الجميل أن أدعو أهلي وشقيقات زوجي وأقرباءه إلى البيت في شهر رمضان طلباً لصلة الرحم، لكن من قال إن هذا يقتضي أن أقضي كل أوقات رمضان في ولائم مستمرة؟ لماذا لا يمكن جمع كل المدعوين دفعة واحدة، واختصار المصاريف وتوفير الوقت والجهد للعبادة؟
هل من الضروري أن أجعل المائدة تعجّ بكل أنواع وأصناف الطعام؟ ما يهمّ هو إشاعة روح السعادة والمرح عند الزوج والأطفال، ولو استطعت تحضير القليل من الأطباق بالكثير من الحب والسعادة...
لماذا لا أضع الأطفال أمام حقيقة وضع العائلة الاقتصادي، وأطلب منهم المساعدة في إيجاد حلول للمشكلة، بدلاً من الانشغال بحمايتهم طيلة الوقت؟
هل من الضروري دائماً أن تكون تصرفاتي محكومة بما (يحبه الناس) و(يفعله الناس) ويكون دائماً همّي (ماذا يقول عني الناس)؟!
لا أظن ذلك!
في النهاية..
أتمنى لها، ولكل ربات المنازل، شهر رمضان طيب مبارك، يتم العمل فيه لإرضاء رب الناس..!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن