آلام وآمال
دفعت أمل (لويزا سابقاً) الباب بيدها المرتجفة لتدخل إلى الصالة الفخمة، حيث هناك في الزاوية اليمنى مكتب المراجعات. وما إن دخلت وتقدمت نحو الموظفة حتى أحسَت بدفءﹴ يغمرها، وينسيها تلك السنتيمترات المتراكمة من الثلوج في الخارج...
أمل: السلام عليكم...
الموظفة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أمل: أنا "أمل" التي تقدمت بطلب التدريس منذ أيام.
الموظفة: آه... حسناً يمكنك الاستراحة ريثما يفرغ المدير من زوّاره.
أمل: شكراً سأنتظر.
وأسلمت أمل نفسها بكل استرخاءﹴ للمقعد الوثير... الحمد لله لقد آن الأوان لكي نرتاح أنا وزوجي وأطفالي من هذا العذاب...
وبدأت أمل تستعيد شريط ذكرياتها الماضية عندما كان اسمها "لويزا" وأخذت تتذكر أمّها وأباها وأختها الوحيدة... لكم اشتقت إليهم، يا ليتهم أسلموا معي لله رب العالمين، لكنّا إذاً أسرة سعيدة جداً، أو يا ليتهم على الأقلّ لم يقاوموا رغبتي هذه كلّ هذه المقاومة البشعة حتى اضطروني أنا وزوجي للفرار من ملاحقاتهم وإيذائهم لنا..
آه يا له من يوم مؤلم ذاك الذي ضربوا فيه زوجي المسكين. تحمّل كلّ هذا من أجلي ولم يرفع حتى دعوى ضدهم.. آه يا أمي ها قد أصبح لديّ ثلاث بنات، عابدة وساجدة، يا لهما من توأم رائع، إنهما يشبهانني كثيراً، وإيمان الصغيرة تشبه أباها، ولكنّ المسكينة لا ترتاح يوماً حتى يعاودها المرض أياماً.. آه كم أنّ الأمر مؤلم ومكلف أيضاً.. لكم أحبّك يا إيمان، ليتهم يأخذون حياتي كلَها وأراك سعيدة وافرة الصحة... ولكن أستطيع القول: إنّ الأمر سيتغيّر بإذن الله، فها قد تقدمت بطلبي هذا لأدرّس اللغة الإنكليزية في هذه المدرسة.. لكم هي جميلة هذه المباني.. والآيات القرآنية المعلّقة على الجدران، ولا شك أنّ أجمل ما فيها التخاطب بالعربيّة التي أحببتها من قلبي.. "مدرسة المسلم المغترب"، لا شك أنّها ستكون بيتي الثاني وربما الأول، ولا شك أيضاً أنّ مردودي المادّي سيكون سنداً قوياً لنا في حياتنا الصعبة التي لا يدعمها إلاّ ما يأخذه زوجي لقاء عمله البسيط، ولربما حينها نستطيع أن نكمل علاج إيمان في أحد مستشفيات العاصمة الممتازة و...
يا سيدة.. يا سيدة (علا صوت الموظفة وهي تنادي على أمل لتعيدها من رحلتها مع الآلام والآمال).
أمل: آه، المعذرة لم أنتبه.
الموظفة: حسناً يمكنك مقابلة المدير ولكن أسرعي لو سمحت، فعنده موعدٌ مهم بعد دقائق.
وأسرعت أمل في تلك الخطوات القليلة التي توصلها لى غرفة المدير ودقّت الباب بهدوء في الوقت الذي تسارعت دقات قلبها كثيراً وها قد دخلت.
أمل: السلام عليكم.
المدير: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ذكّريني بالموضوع لو سمحت.
أمل: طلب تدريس المادة الإنكليزية في مدرستكم يا سيدي ورقم الطلب هو ...
المدير- مقاطعاً-: نعم نعم، لقد تذكرت، أنت السيدة "أمل عبد الباقي" على ما أذكر.
أمل: أجل يا سيدي.
وقد كادت أمل تطير في نفسها فرحاً، فلا شك أنه وافق على الطلب، فها قد تذكّرها فوراً و...
المدير- قاطعاً حبل أفكارها-: آسف يا سيدتي فطلبك قد رفض.
أمل: ماذا؟! لكن.. ولكن يا سيدي لماذا؟؟!!
المدير: يا سيدتي لا تكثري الأسئلة فلست الوحيد الذي يقرّر هنا، هناك مجلس يدرس الطلبات ويبدي فيها رأيه وقراره.
أمل: ولكن ألا يمكنني أن أعرف السبب؟!
المدير: لقد ارتأى المجلس ألاّ ندخل في الهيئة التعليمية إلاّ من كان مسلماً عربياً لسهولة التعامل مع الطلاب.
أمل: ولكنني أجيد العربية كما أن طلبي هو لتدريس الإنكليزية.
المدير: ليس عندنا سابقة في هذا المجال ولا ننوي خوض التجربة في هذه السنة.
أمل: ولكن يا سيدي أنا بحاجة لهذا العمل لأساعد زوجي في الإنفاق على علاج ابنتنا المريضة، ولقد طردت أكثر من مرّة من عملي بسبب حجابي فهل تريدني أن أخلعه؟!!
المدير: ذاك شأنك يا سيدتي ونحن نبحث عن مصلحة مؤسَستنا.
أمل: حسناً، أنا آسفة يا سيدي، يبدو أنني طرقت الباب خطأً، ولكن تأكد أني أكره العودة إلى الكفر كما أن ألقى في النار. والسلام عليكم...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن