خادمة الجيران
بقلم: إنصاف الدرزي
في يوم ربيعيّ دافىء، خرجت وأخوتي إلى حديقة بيتنا لنستمتع بنهاره الجميل، ولحقتْ بنا أمي، بينما كنا نلهو ونلعب لفت نظري فتاة تُطلّ من الشرفة المقابلة لبيتنا، كانت تتأملنا والحزن بادِ على وجهها وكأنها تتمنى أن تشاركنا فرحنا.
نظرتُ إليها ودعوتُها لتقضي بعض الوقت معنا بعد أن استأذنتُ من أمي، ابتسمتْ الفتاة ولبّت الدعوة فرحبّنا بها جميعاً، وبعد مُضي الوقت جلسنا لنأخذ قسطاً من الراحة وبدأنا نتبادل الأحاديث فسألتُها: لم نركِ من قبل، هل أنتِ قريبة جارتنا؟ فأجابت: لا، بل أنا أعمل عندها وأساعدها في أعمال المنزل، استغربنا من أمرها فمن كان بمثل عمرها ينبغي أن يكمل دراسته أضافت قائلة: أنا اسمي رجاء، ابنة عائلة فقيرة تتألف من أب وأم وشقيقتين صغيرتين وأنا طبعاً، تركتُ الدراسة رغماً عني لظروفنا القاسية؛ فلقد كان أبي عاملاً يعمل في البناء، وفي أثناء عمله سقط من المبنى وشاء الله أن يصاب في عاموده الفِقْري. فأصبح مقعداً لا يقوى على عمل شيء، وليس لنا معيل سوى الله؛ فبقيتْ أمي بجانبه ترعاه وتهتم به وبإخوتي أيضاً، وأنا هنا كما ترَوْن أعمل لأُعيل عائلتي قدر المستطاع، والحمد لله أنّ ربة المنزل التي أعمل عندها امرأة طيِّبة ورقيقة القلب... تنهدت قائلة: ما يُحزنني أنها ستغادر البلد بعد ثلاثة أشهر لتلحق بزوجها إلى الخليج، وأنا أخشى على مصيري بعد ذلك؛ فأنا لا أرغب بالانتقال إلى بيت آخر.
نظرنا إلى بعضنا جميعاً وعيوننا دامعة تأثراً لحالها؛ فما كان من أمي إلا أن قالت لها: لا تجزعي يا ابنتي ولا تقنطي من رحمة الله، فاسمعي يا عزيزتي لدي آلة لحياكة الصوف كنتُ أعمل عليها قديماً وما زالت صالحة للاستعمال، إن كنت ترغبين أدرِّبك عليها كلّ يوم عند انتهائك من عملك.
رحّبت رجاء بالفكرة وأشرق وجهها فرحاً، وصارت تأتي إلينا كل يوم لتدربها أمي على تلك الآلة، وصارت تقبل عليها بحماس وشغَف حتى تعلّمت أصول الحياكة بمدّة قصيرة، وأُعجبت أمي بذكائها الحادّ، وكانت دائماً تثني عليها.
واتفقنا حينها أنا وإخوتي وبنات العائلة أن نجمع ما ادّخرناه من النقود لنشتري لها آلة جديدة لتعمل عليها، وهكذا فعلنا.
وبدأت رجاء مسيرتها الفعلية وعَمِلت بجِدّ وصبر ودأب، وباتت تُتقن عملها بدقّة متناهية وذوق رفيع، ومع الخيوط الملوّنة والأشكال الجميلة تلوّنت حياتها بنسيج الأمل والرجاء، وبفضل الله وعونه أصبحت مشهورة على صعيد بلدتها، كلّها وأصبح الناس يقصدونها من كلِّ صَوْب وناحية وأصبح لديها مصنعاً كبيراً كُتب على حائطه: (لا تقنطوا من رحمة الله)
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة