خُطبة الشيخ...
تأخرتُ في مهمة دعوية، فتوقفتُ لنداء صلاة الجمعة عند أقرب جامع، متنازلاً عن رغبتي في الاستماع لشيخي المفضل في جامع آخر.
وجلست في الصف الأول، إذ لم يكن له من ثانٍ، وانتظرت ظهور الخطيب فلم يظهر، وإذ بالحاضرين يدعونني إلى المنبر! أوْهَمَتْهُمْ لحيتي بأنني شيخ وعالم مفكر، مع أنني لم أتجاوز العشرين من العمر! وبعد إصرار رهيب وكثير من الدفع والجرّ، خفتُ تأخر الوقت، فصعدت ووجهي يحمرُّ ويصفرّ، وألقيت نظرة حيية على جمهوري الصغير أحاول اعتياده، وحِرْت ماذا أقول أول الأمر، حتى جال برأسي خاطر وصرتُ في عالم آخر:
«بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، واتباع نوره وهداه.
إخوتي، ربما تعبِّر الكلمات، أما الشعور فلم يعبِّر، فَقَد الوجدان النطق وصُمَّتْ نبضات القلب فلا تدري كيف تدُقّ، وتاهت مياه العيون، وانزوت الروح في ركن قصي حتى تخدَّر الجسد الحر.
نظر المصلون بعضهم إلى بعض في اندهاش وتعجب، ثم عادوا ينصتون إليّ بشدة.
«لا أفهم... تلك المصطلحات الثقيلة، وتعجزني الألعاب الخفية، والخطط المرسومة. سوريا وفلسطين ومصر، أمريكا وإيران، ثم هناك أفغانستان والشيشان والعراق وبورما، وغيرها. هذا في صف ذاك، وهذه ضد تلك، وهم يريدون تدمير هؤلاء...
فقط لا أصدق حين أنظر إلى الشاشات... يهولني أن أرى «300 قتيل»، و«500 قتيل» و»2600 قتيل»! هل هذه أعداد من البشر أم الحجر؟ أُحدِّقُ وأفكر... وما زلت إلى الآن أنظر حتى لم تعد عيوني ترى. أصبحتْ أفلام الرعب تثير سخريتي! أمامي رعب حقيقي واقع، هؤلاء مسلمون مثلنا يذبحون كل يوم في مجازر بشعة، ولربما يأتينا الدور وما زلنا لا نشعر!
سيأتي دورنا لأنها معركة الإسلام، هو هو في كل مكان، أعرفه وأشتم عبيره الذي اختلط برائحة الدم.
هذه الحياة ليست لنا... فإما الشهادة، أو أن نعيش لنبذل مالنا ودعاءنا وأنفسنا وأعمارنا وأرواحنا لإخواننا، لكيلا نُعَدَّ من الخائنين ويعذبنا ربنا على تقصيرنا، وحتى لا نعيش كالبهائم نرعى ويرضى الأعداء عنا فلا يصيبوننا بأي أذى.
مهما حاولنا إقناعهم، هم لا يريدون الإسلام، لأنه يأمرهم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي، وهو لنا عدل ونور وضياء لأنه من عند
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن