مَن أحقُّ بالغيرة الزوج أم الزوجة؟!
غَيْرة الرجل على امرأته أمر طيِّب ومَحمود ومطلوب شَرعًا، وفيه دليل قوي على الحب والود مِن جانب الزوج لزوجتِه، إلا أنَّ بعض الأزواج يُبالِغون في الغيرة حتى يَنطبِق عليهم المثل القائل: "ومِن الحب ما قتل"، وهؤلاء يَستهجِنون المظاهر العادية المألوفة على زوجاتهم، ويَحظرون عليهنَّ السلوك الفِطري السليم، ويُقيدونهنَّ بقوانين صارمة حتى يصل الأمر بهم إلى تحريم المُباحات، وأضرب لكم الأمثال؛ فمن الأزواج مَن لا يحبُّ أن تذهب امرأته إلى الخيَّاطة لئلا تلمسها أو تطَّلع على ما خفي من تفاصيل جسدها (ولو كان حلالاً كشف ذلك الجزء والنظر إليه)، فهو يَغار على زوجته من امرأة مسلمة تقوم بمهمَّة مألوفة مقبولة، ومنهم مَن يَمنعها من لبس ما يكشف النحر أو أعلى اليد أمام أخواتها البنات (فضلاً عن إخوتها البنين وعن محارمها من الرجال)، ومنهم مَن يَحرمها من النزول إلى السوق وشراء حاجياتها الضرورية، والتي لا يُمكن لأحد غيرها أن يشتريها لها (كالملابس الداخلية والأحذية) حتى لا تختلط اختلاطًا سريعًا وعابرًا بالباعة أو بالمُتسوِّقين.
إنها مظاهر غريبة وغير مألوفة للتعبير عن الغيرة، على أن أعجبها - في نظري - ذلك الزوج الذي حظر على زوجته حظرًا تامًّا الرد على الهاتف في غيابه؛ خوفًا من أن يكون المُتحدِّث رجلاً فيَسمَع حسَّها ويَعرِف صوتَها، والآخر الذي حَرَّم على زوجته (المحجَّبة الوجه واليدَين) اصطِحاب ابنتهما الصغيرة ذات الثلاثة الأعوام إلى الأماكن العامة تحسُّبًا لأن يُحاول الرجال تخيل شكلها ولون شَعرِها وبشرتِها عندما ينظرونَ لابنتها.
وما يُسبِّب المشكلات أن بعض الأزواج لا تبدو عليهم الغيرة في بداية الحياة الزوجية، بل يُظهِرون الاعتدال في السلوك أمام زوجاتهم، ويتعاملون مع الجنس الآخر - حسب الضرورة - في العمل والسوق ومع الأقارب، فتَسترخي زوجاتُهم ويتصرَّفن هنَّ أيضًا بطريقة رسمية مَقبولة مع الباعة ومع أقاربهنَّ مِن الذكور الأجانب، وفجأة وبلا مُقدِّمات تظهر غيرة أولئك الأزواج، فيَثورون لكلمة بسيطة قالتْها الزوجة، ويُقيمون الدنيا لحركة صغيرة بدرت منها، فتبهت الزوجة وتُحرج ولا تدري بماذا أخطأت، وعلام غضبَ منها زوجُها، وهي لم تُخالف الشرعَ ولم تَخرُج عن العرف؟!
ومِن الرجال مَن يُناقِض نفسه، فيُدخِل زوجته على ابن عمِّه وابن خاله لتشاركهم في تناول الطعام وفي تبادل الحديث ولا يَرى بأسًا في هذا، حتى إذا قَدِم عليها ابن عمِّها أو ابن خالها شعر بالغيرة منه، ومنَعَها من السلام على قريبها، وحجَزَها في الغرفة الأخرى، وقام هو باستضافته!! فعجبًا له كيف لا يغار عليها مِن أقربائه، ثم يغار عليها من أقربائها وقد نشأت بينهم وعاشت معهم قبل زواجِها، وتَربِطها بهم رابطة الرحم القوية؟!
وما يُثير الحيرة والحفيظة أن بعض الأزواج يُلقون بالمسؤولية كاملةً على زوجاتهم ويتنصَّلون منها؛ فتقوم الزوجة بشراء حاجيات البيت كلها كالطعام والشراب والملابس والمتاع، وتحمل الأطفال إلى المُستَوصفات للمعالَجة، وتتردَّد باستمرار على طبيب الأطفال للقاح والمُتابَعة حتى لتكاد تألفُه ويألفها، وتتَّصل هي مع المَدرَسة إن حدثت مشكلة مع الصبيان أو تقصير في الدراسة، وتُكلِّم الأساتذة وتناقشهم وتُعاتِبهم، كل هذا والزوج راضٍ وسعيد لأنها تقوم عنه بواجباته وتَحمِل العبءَ وحدها، ولا يأسف أنه لا يشاركها المسؤولية ولا يُساعدها، ثم إن قابلت ابنَ عمِّها صدفة في الطريق وقال لها: السلام عليكم، وردَّت عليه السلام ومضَت ولم تَزِد، غضب الزوج؛ مع أن ردَّ السلام فرض، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُسلِّم على النساء ويرددنَ عليه السلام.
وإذا حملت أخذَها لطبيبٍ رجل ولا يجد فيه بأسًا!! ثم إذا شعرت بالحاجة للذهاب إلى طبيب نفسي ليُساعدها في حل مشكلاتها، واضطرَّت إليه، غار الزوج وثارت ثائرته ومنعها من ذلك ولو كان معها ذو محرَم، وحُجَّته: كيف ستُقابل زوجته رجلاً أجنبيًّا عنها؟!
أما إن كانت طبيعة عمل الزوج تَفرِض عليه التعامل مع النساء، اعتبر الأمر مقبولاً، ويَستغرِب إن غارت زوجته أو أبدت اعتراضًا، وقد يسخَر مِن خفَّة عقلها وشدة غيرتها، ويَعتبِر ذلك نقصًا فيها، ويُهدِّدها بأن غيرتها ستُذهب الود الذي بينهما، وستُفسِد حياتهما الزوجية، وقد يَحزن من أنها لا تثق بدينه وخلُقه، وربما يغضب منها لذلك ويُخاصمها، يفعل ذلك مع أن الحق معها والاحتياط واجب عليها، وكم سمعنا عن رجال تزوَّجوا السكرتيرة أو المُمرِّضة أو التلميذة، وما زلنا نرى ونسمع!
فمَن يا أيها الأزواج أحق بالغيرة: الزوج أم الزوجة؟!
الزوجات بالطبع هنَّ الأحقُّ بالغيرة؛ لأنهن محبوسات عليكم فلا يحقُّ لهنَّ التفكير بغيركم، ولأنهنَّ (على الأغلب) قواعد البيوت فلا يرَين الرجال ولا يرونهنَّ إلا قليلاً، أما أنتم فإنكم تَخرُجون إلى الشارع كل يوم وترون مِن أصناف وأشكال النساء، ولا تَسْلم أماكن أعمالكم مِن وجود الفتيات؛ لأن غالب المِهَنِ فيها اختلاط، وأكثر الوظائف اليوم تَستدعي التعامل مع النساء وربما مراسلتهنَّ ومخاطبتهنَّ أو حتى مقابلتهن وجهًا لوجه، وكثيرات منهن يكن شابات مُتبرِّجات في سن الزواج، والرجل أكثر ميلاً للجنس الآخر، ومنهنَّ من تتغنَّج وتتثنى، وكل واحد منكم يستطيع الزواج بمَثنى وثلاث ورباع، أفلا يحق للزوجة أن تخاف على زوجها وتغار عليه أكثر مما يَغارُ هو عليها؟!
أنا أرى أنه يحق لها، بل لها الحصة الكبرى مِن التوجُّس والغيرة، ولكن الأزواج هم وحدهم الذين يَستأثِرون بالغيرة ويبالغون، ولا يدعون شيئًا لزوجاتهم، فاتقوا الله أيها الأزواج في نسائكم، واعتدلوا في غيرتكم؛ لئلا تذأر زوجاتكم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة