مصاب ....لم يكن في الحسبان
في إحدى الليالي من شهر رمضان المبارك و من سنين خلت...لا أذكر بالضبط أية سنة كانت،قام مركز التبرع بالدم بحملة للتصدق بالدم خاصة بالنساء و ذلك بتنسيق مع جمعية ذات توجه اسلامي تسهر على تعليم النساء كل ما يتعلق بأمور دينهن مع تدارس القرآن الكريم و حفظه على أصوله فضلا عن دروس لمحو الأميةوقد استرعت إنتباهي متبرعة قد شارفت على الخمسين من عمرها كلامها كله عبر و تحس أنها متمكنة من دينها و خلال الفحص الطبي الذي كنت أقوم به لمعرفة إذا كانت مؤهلة للتبرع بالدم،كان فضولي يدفعني لأسألها عن دراستها الدينية فعلمت أنها تحفظ القرآن كله على رواية ورش عن نافع و تدرس الحديث و الفقه و تتقن اللغة العربية و أيضا أنها أرملة منذ سنة و بدون أولاد... المهم أنني لم أجد لديها مانعا للتبرع بالدم و مرت أيام و توصلنا بالتحاليل الخاصة بتلك الحملة وجدنا من بين هذه التحاليل تحليلة موجبة لمرض الإيدز وقمنا بإجراء التحليلة التأكيدية وكانت أيضا موجبة و كنت أنا المكلفة بإبلاغ صاحبة التبرع الموجب بالخبر وكم كنت أكره هذه المهمة و لكنني كطبيبة كنت مرغمة على القيام بها و فعلا أرسلنا دعوة للمتبرعة لإجراء تحاليل استكماليةو لبت المتبرعة الدعوة ولكم كانت صدمتي كبيرة لما تعرفت على نفس تلك المرأة الطيبة، ذات السماحة و الهدوء و الوقار و الإطمئنان الذي يجعلك تحس بالرغبة في أن تستمد كل هذا منها لتشعر بقوة غريبة ،قوة المؤمن الواثق من خالقه و المستسلم كل الإستلام لرب العالمين لم أصدق و بدأت أطرح أسئلة تلو الأخرى لأتأكد من هويتهاو في الأخير أذعنت للأمر الواقع فلا مفر هي نفسها صاحبة التحاليل الموجبةهي فعلا حاملة لفيروس الإيدز تأكدت بعد أن قمت بإجراء تحاليل أخرى وللأسف الفيروس هنا يصرح بوجوده كما يجب حقيقة لا غبار عليها وبدأت أطرح عليها سلسلة من الأسئلة علني أكشف مصدر إصابتهافعرفت أنها تزوجت بعد سن الأربعين من مهاجر مغربي أرمل يعيش في ألمانيا توفي منذ سنةو لما تعمقت في الأسئلة اكتشفت أن زوجها توفي بمرض من الأمراض الإنتهازية التي تصير قاتلة بسبب انعدام المناعة في جسم المصاب بالإيدزفعرفت أن الزوج توفي بهذا المرض الفتاك و أن المسكينة انتقلت لها العدوى عبر العلاقة الجنسيةو المصيبة أنها لم تكن تعلم أن زوجها توفي من جراء هذا المرض و بدأت ألمح لها أن المرض الذي تحمل فيروسه خطير ثم اضطررت في يوم من الأيام أن أخبرها بالحقيقة لأنها سوف تراقب و بصفة دورية من طرف أخصائي أمراض تعفنية و إيدز و لم تتوقف هذه المرأة عن إدهاشي حين لقنتني درسا عن الرضا بقدر الله و قضائه و هي تجيبني بل تجيب خالقها حين تلقت الخبر :إنا لله و إنا إليه راجعون، لا حول و لا قوة إلا بالله، اللهم اجعل مصابي هذا مغفرة لذنوبي لم تصرخ و لم تولول كما فعل غيرها و لم تدمع عينها ثم و بكل رباطة جأش سألتني عن ماذا يجب عليها فعله و ذلك من باب "إن لنفسك عليك حقا " و ما زالت هذه الطيبة على قيد الحياة تتلقى العلاج الثلاثي الخاص بهذا المرض و تتابع مشوار حياتها الذي وهبته لخالقها و هذه المرة بإصرار أكبر! هذه القصة واقعية مائة بالمائةحرصت على نقلها لسببين رئيسيين هما-أولا لمسألة قوة الإيمان التي أراها سلاحا لابد أن يكون لدينا لمواجهة كل الصعاب في الحياة الدنيا و أيضا لابد منه لنبني حياة أسعد في دار البقاء ثانيا لمسألة طبية ألا وهي أن الإصابة بالإيدز ليس دائما علامة على أن المصاب غير سوي من الناحية الأخلاقية بل هناك ضحايا لمرضى آخرين نقلوا العدوى لأبرياء!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن