في الجنة نارجيلة؟
بينما كانت تعد طعام الغداء إذ بولدها البالغ من العمر ثماني سنوات يسألها ببراءة: "ماما لماذا حرّم الله شرب النارجيلة؟".
أجابته وهي منهمكة بتقطيع الجزر: "لأن فيها سمّاً يسبب السرطان".
عقد حاجبيه مستفسراً: "هل يوجد في الجنة نارجيلة بدون سم؟".
ضحكت في سرها على هذا السؤال معجبة بصاحبه، قالت له: "طبعاً في الجنة يوجد كل ما تريد، فقط اطلبه من ربنا سبحانه وتعالى".
وكما ظهرت على محياها ابتسامة توقعته مبتسماً راضياً بما سمع، وتهيأ لها أن الحوار بينهما انتهى.. وأن ابنها الحبيب قد نال مبتغاه.. تابعت عملها في المطبخ إلا أنّ صورة ما انقدحت في مخيلتها مما دفعها للمبادرة بسؤاله: "ومن ذا الذي رأيته يتعاطى هذا السم وأعجبك؟".
سؤالها هكذا كان عفوياً.. وليد الحوار بينهما حيث تصورت أنه قد راقب أحد أعمامه وهو يشرب هذا السم..
أجاب ولدها: "أنتِ يا ماما عندما كنتِ مع خالتي هبة!".
لم تتخيل هذا الجواب مطلقاً وما طرأت هذه الصورة في ذهنها...
لقد قالها بكلّ عفويّة وبراءة.. براءة طعنتها في الصميم..
يبست يدها في الهواء ولم تعد قادرة على مزاولة تقطيع الجزر... وخزة في صدرها منعتها من التنفس للحظات.. سرعان ما عادت بالذاكرة إلى الوراء.. تبحث بقسوة ذاتية عن تلك الحادثة المشؤومة!
"متى يا ربي شربتُ هذا السم الذي رآني ولده أتناوله بكامل وعيي؟"
"وجدتها، نعم، نعم تذكرت لقد حصلت منذ شهور عديدة "..
تذكرت نجوى أيضاً كيف أّن ولدها آنذاك شخص إليها طويلاً ثم طلب منها أن تدعه يشرب..
وقتها قالت له: "ممنوع".
"يا رب العالمين ماذا فعلت؟. وكيف تجرأت؟ لقد بقي السؤال، وبقيت الحيرة، وبقي المشهد الضبابي في ذاكرته حتى الآن.. رحمتك يا ربي ماذا اقترفت بحقّ ابني؟".
عندما عادت للواقع خفضت أهدابها خجلاً مما صنعت.. وراحت تحدق إلى الأسفل.. انتظرت حتى راح وخز الإبر في صدرها.. وما لبث صوتها أن عاد إليها هاتفاً: "سامحني ولدي الحبيب..".
"سامحتك ماما".. قال وائل ضاحكاً
همست نجوى لنفسها: "لله درك يا بنيّ، استغفر الله العظيم.. ساعدني إلهي لكي أمحي هذا المشهد الذي رآني فيه..".
مر بخاطر نجوى الحادثة التي جرت مع الإمام أبي حنيفة حين كان ماراً بجانب صبية يلعبون؛ فقال لأحدهم: "انتبه كي لا تزل قدمك"..
فردّ الفتى: "إن أنا زللت فسأقع وحدي، لكن إن أنت زللت، فستزلّ الأمة معك!".
لله در الأطفال حينما يكونون سبباً في تقويم إعوجاج الكبار، ويكأنّ الأم في نظر أولادها... إمام.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن