نزوة تُخجِل.. أم حب يفخر؟!
لم تكن تعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تُفجَع فيه بزوجها.. فقد علِمَت أنه على علاقة مع امرأة أُخرى.. ليست أمّه بالتأكيد! فقد شُغِل بفتاة التقاها ذات اختلاط فعمِل مبضع الحب عمله في قلبٍ لم يكن خاوياً ليتمكّن.. ولكنه القدر!
هاجت وماجت.. وعصفت رياح الألم في روحها وانكسرت أمام لسعات الصدمة وبراكين الغضب والغيرة.. وحدّثت نفسها أنها لا بد مُفارِقة.. فلن تثق به بعد اليوم!
هو لا يزال يحب زوجته.. ومتعلّق بعائلته ولكن شيء ما في الفؤاد تحرّك فهل كفر؟! هو لم يخطّط ولم يفتّش ولم يقع في الهوى عن سابق إصرار وترصّد! ولكنه هوى!
كنتُ فيما مضى أفكر كما يفكر أغلب الناس.. وأنعت بالخيانة العظمى كلّ من فكّر بغير زوجته وأُنزِله دركاً أسفلا.. إلا أنني حين "وعيت" علمتُ أن الرجل قد يحب أكثر من امرأة في الوقت نفسه.. فِطرة الله التي فطره عليها ولذلك شرّع التعدد.. وهي تختلف عن فِطرة النساء اللواتي يمِلن إلى الشريك الواحد.. فبعد مقارعتي للحياة وقراءاتي واحتكاكي المباشر بالاستشارات الأُسرية أدركت أنه يمكن للرجل أن يحب أكثر من امرأة! ومحبته لواحدة لا تُلغي محبته للأُخرى مهما كانت عظيمة! وإن تفاوتت درجة الحب بين هذه وتلك..
قد تثور النساء لهذه الحقيقة ويرفضنها.. خاصة حين يكون "الزوج" هو مَن نتكلم عنه وليس افتراضا يُناقَش.. فأيّ امرأة تحب أن تكون الوحيدة المتربّعة على عرش قلب زوجها خاصة إن كانت متفانية في حبه وخدمته ورعاية أسرته.. ولا تحب المشاركة مع امرأة أُخرى مهما كانت الظروف التي تدعو لذلك وإن كان التقصير الذي يصدر منها.. أنانية من المرأة؟! ربما.. ولكنها السِمة الغالبة على نساء العالمين.. ولن تتبدّل حتى لو تمكّنت حلاوة الإيمان في القلب.. وقد غارت أمّنا عائشة رضي الله تعالى عنها وقد ارتقت أعلى مدارج السالكين!
في قلب الرجل مساحات واسعة.. قد تحتلّها امرأة أو أكثر.. فقد يُعجَب بذكاء الأولى وجمال الثانية فيقتسم تلك المساحة بينهما.. وقد يتزوج بهما ويعدل في المعاملة إلا أنه –ربما- لن يعدل بالحب ويدعو "اللهم حاسبني فيما أملك ولا تحاسبني فيما لا أملك"! ولكن.. هل هذا الأمر مفتوح وكلما أُعجِب بامرأة تزوجها؟ بالطبع لا.. ولكننا نتكلم في حالة لم يستطع معها الرجل السيطرة على مشاعره وأحَب.. وعادة ما يكون جواب الزوجة الأولى في مثل هذه الحالة.. طلِّقني وتزوجها! فيعتبر حينها حبه ذاك نزوة عابرة ليضمّ بيته الأول.. ولو أنه تجرّد من التزاماته وقيوده لما رضي بحلٍ دون زواجه من الأُخرى!
وهنا يحضرني سؤال قد يرِد إلى الذهن.. هل تعلّق الزوج بأُخرى يكشف النقاب عن هشاشة علاقته بالأولى أو خلوّ هذه العلاقة من أساسيات الثبات ما لفته إلى أُخرى.. أم أن ذلك قد يكون أمراً عادياً ولا ينبؤ عن ضعف في العلاقة بالأولى؟!
وهل يجب على الرجل العمل على تعميق العلاقة بزوجته وإيجاد حلول ناجعة لإعادة الحرارة لزواجه الأول قبل التفكير بأُخرى أم أن هذه المشاعر تولد ومن الصعوبة بمكان الانسلاخ عنها؟!
وهل يتحمّل الزوج وحده المسؤولية في تعلّقه بامرأة أُخرى أم أن التقصير في إذكاء العاطفة والحفاظ عليها هو من الطرفين؟ ناهيك عن النزاعات التي تكون قد تولّدت بين الطرفين خلال الزواج ولم يُوفَّقا لحلّها فتراكمت حتى أحدثَت بِعاداً يُنفِر!
لا شك أنه وبعد فترة من الزواج يخفّ لهب الأحاسيس ويدبّ الاعتياد في حياة الزوجين ويختفي حديث الحب ويبرد سعير الشغف والاشتياق إن لم يعمل الزوجان على الحفاظ على الوهج.. وبالتالي تنعكس الضغوطات والانشغالات والروتين سلباً على حياة الزوجين لا سيّما العاطفية منها ويصبح من السهل أن يلتفت كلّ منهما إلى ما يُرضيه.. فالمرأة غالباً ما تصب اهتمامها على العائلة وخدمتها.. بينما قد يضعف الرجل أمام من تُعيد إشعال العواطف في قلبه وتُحيي اللهيب المندثر! فيبقى متعلّقاً بالأولى نتيجة العِشرة ووجود الأولاد وكذلك بسبب المصالح الأُسريّة المشترَكة بينهما.. بينما علاقته بالأُخرى تُضفي رونقاً خاصاً في حياته وتُعيد النبض إلى الفؤاد.. فالاثنتان مهمتان في حياته ولكن لكلّ منهما طعمٌ مختلف.. ونكهة خاصة!
ولا بد هنا من وقفة مهمة للزوجين.. إن تعذّر الارتباط بالثانية لسبب أو لآخر قد يكون أهمها رفض الزوجة الأولى أو ضعف إمكانية الزوج المادية وكثرة التزاماته أو ربما الضغط الاجتماعي والعائلي عليه.. فلا بد أن يُعيد الزوجان النظر في علاقتهما.. لكيلا يشعر كلّ منهما أنه ضحية الآخر.. وليكملا المسير في حياة تُظلّلها المودة والسكن..
فلا أقلّ أن يجتمعا لتحقيق هذا الهدف ألا وهو إعادة الدفء للعلاقة بينهما.. والعمل على سد الثغرات وحل المشكلات المتراكمة وإعادة مفردات الحياة الزوجية الصحيحة من حوار وتفاهم ومشاركة ومصارحة واحترام وثقة وغيرها.. دون الوقوف كثيراً عند هذه الأزمة وعدم السماح لها أن تخرب حياتهما بالتكلم عنها في كل مناسبة! بل هو السماح والتغافر!
سيكون التحدّي كبيراً للزوج والزوجة لاستعادة ثقة وحب الآخر.. ولكن الأمر يستدعي ويستحق!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن