لا نتفق مع أخي.. ماذا نفعل؟
نحن ثلاث بنات وأخ نتابع دراستنا في المرحلة الجامعية أما إخوتي الثلاث صبية الباقيين ففي المرحلة المتوسطة والثانوية، توفي أبي منذ سنوات طويلة بعد صراع مرير مع المرض ووضعنا المادي لا بأس به فلنا عائلة كبيرة تساندنا من الأعمام والأخوال ولله الحمد، مشكلتنا نحن البنات تتمحور في أخي؛ فهو يعاملنا أحياناً بطريقة غير لائقة وكأننا في عصر (السي سيد) فطلباته يجب أن تُجاب وإن لم يحصل هذا الأمر يملأ البيت صراخاً ويبدأ تكسير بعض الأشياء أمامه وقد يخاصم (أختي التي هي أكثرنا عناداً وتحدياً له) لأشهر قد تصل لسنة كاملة دون أن يتنازل أحدهم للآخر.
نحن نحب أخي كثيراً ولكن لا يرضينا طريقة تعاطيه معنا، ولقد حدثناه بهدوء عدة مرات كذلك فعل بعض أعمامي وأخوالي فيتغير لبعض الوقت ثم يعود إلى سابق عهده، كلمة توجهونها لنا نحن الإخوة والأخوات، كيف نتعاطى مع بعضنا البعض؟ وكيف يجب أن تكون صورة الإخوة والأخوات؟ وجزاكم الله خيراً.
أختي الكريمة، ما تتحدثين عنه واقع مع الأسف في أكثر البيوت، فأنتم في سن الشباب الأول.. سن الحيوية والطاقة.. وقد كان سابقاً من في سنكم لديه العدد من الإخوة الأطفال يربيهم ويلهو معهم بدل الشجار معهم.. ولكن أود أن أدلك على النقاط التالية المهمة في علاقاتنا مع الآخرين بدءاً من أقرب الناس إلينا:
- إصلاح العلاقة مع الله، بأن يكون أول ما يهتم به أهل البيت هو تقوى الله تعالى، فيحرصون على أن يكون خالياً من المعاصي التي هي دليل وجود الشهوات.. والشهوات هي السبب الأول لأن تظهر الأنانيات المؤدية للخلافات، ومن يكبح شهواته طاعة لله لهو قادر على أن يكبح جماح نفسه من أجل حسن التعامل مع الآخرين، وعندما يكون المرء ملتزماً بطاعة الله سيسخِّر الله له مَن حوله فيندفعون إلى محبته ( أصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين العباد )، وإذا لم يعتنِ بذلك الجميعُ فعلى الأقل أن يبدأ الإنسان بنفسه والله يكفيه من حوله، وعليه أن يحاول مع غيره قدر الإمكان، عندها سيكون الحكم في البيت لله وليس للأخ وغيره.. ولا للشيطان ووساوسه.
- الانشغال قدر الإمكان بما ينفع ويفيد، فالفراغ بريد المشكلات، وكم من مشاكس انشغل فانشغل عن غيره؛ وهذه المرحلة من حياتكم هي مرحلة أخذ واكتساب، ومن الخسارة أن يمضيها المرء في القيل والقال خاصة مع إخوته، فعندما تكبرون ستجدون أنكم لم تأخذوا من هذه المشكلات والشجارات شيئاً، ويتمنى المرء عندها لو أنه بدل كل دقيقة أضاعها في قيل وقال لو أنه حفظ فيها حديثاً أو آية أو قرأ حكمة أو تعلم شيئاً نافعاً؛ فهذا فقط ما سيأخذه من كل هذه المشاحنات والقالات والقيلات.
- أن تكون الفتيات زهرات المنزل وسبب جماله، وعندما يدخل الأخ إلى منزل أهله المرتّب النظيف، ويرى غرفته المنظّمة؛ فإنه سيشعر بالسعادة والأنس ومن ثم سينتبه أنه من غير اللائق أن يكون سبباً في إثارة النكد في هذا العش الجميل،وحبذا تنبيهه بطريقة غير مباشرة أو عن طريق الوالدة إلى ما تبذلنه من جهد لأجله.
- الالتزام بحسن الكلام وجميله، والذي يجعل الحياة راقية هو الكلام الحسن، وذلك مهما أساء الآخرون، فيكون المرء بنفسه قدوة، فلو أسمعه أحد ما يكره يجب أن يحاول بألا ينطق هو بأي كلمة نابية أو جارحة، وسيجد من أخيه أو أخته فيما بعد غبطة، ومن ثم تقليداً له فيفوز بالحسنين..
- ليكن وعظ هذا الأخ من خلال تذكيره بالله تعالى ووجوب أن يكون وقافاً عند حقوق غيره وخاصة أقرب الناس إليه، والإنسان يحاسب على كل حرف ينطقه ظلماً، بل حتى النظرة البغيضة في غير حق، ويكفينا قوله تعالى: { وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً } والجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، من يتعامل مع أهله بصبر سيرزقه الله زوجة تتعامل معه بحلم وأناة وتسامح، ومن يقسو على إخوته وينزعج منهم سوف يرزقه الله بأطفال يقلبون عيشه نكداً، { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره , ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره }
- بعد هذا محاولة الابتعاد عما يثير الآخرين إذا لم يكن في ذلك هضماً لحقوقنا، وإلا فإن كان ما يثير أخي هو حقّي ولا حق له بأن يثور: فعلي أن أبيِّن له هذا بأكثر الأساليب لطفاً فإن أصر، فلا يجب علي الإذعان لهواه ( إلا إذا أحببتُ ) فلي أن آخذ ما لي وأطالب به مع تجنب الشحناء، فإن لم يرق للطرف الآخر ذلك فلا ذنب لي، ولكن يجب ألا يترك مثل هذا أثراً سيئاً على نفسي أو على علاقتي بهم، ويجب أن تعود الأمور إلى مجاريها فور انتهاء المشكلة،ومن فطرة الإنسان المسلم أنه عؤود إلى الحق مهما طال الوقت.
- وبعد كل ذلك إن حدث أي خصام أو تطاول يجب أن نتذكر ونذكّر بعضنا أننا لسنا أعداء، وأن فوز الأخ على أخته أو العكس ليس انتصاراً، وأن هزيمته ليست انهزاماً، فما يسوء أحدهم يسوء الجميع والعكس صحيح.. عندها يحل الحب بدل البغض، والوئام بدل التفرق، والبغض والتفرق إن حصلا: فيجب المبادرة إلى إزالتهما عندما تسكن النفوس؛ فإذا حدثت مشكلة ما فلا بأس أن يركن كل واحد إلى نفسه يحاسبها وينزوي عن أخيه قليلاً ثم بعد ذلك يعود خير الأخ.. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يهجر مسلم أخاه فوق ثلاث ..) فإذا مر يومان أخذت النفس حظها من العتاب والضيق، وهذا يكفي، ولا مصلحة لأحد الطرفين بأكثر من ذلك ..
أخيراً
وبعد هذه المحاولات إن حدث خصام حول أمر ما فلا يجب أن يكون عند كل أمر، وإن فشل موقف فلا ينبغي أن نقف عنده، إن اكفهرت الوجوه صباحاً فلا ينبغي أن تبقى هكذا مساء، وإن وإن وإن وإن .. الحياة يجب أن تمضي، ولن تمضي إلا بطاعة الله فيما أمر، ويجب أن نتذكر أنها حياة مؤقتة .. بل كل الحياة مؤقتة: فلنحاول أن تكون جميلة ومفيدة فإن عجزنا أحياناً فلتكن مفيدة ومنتجة؛ فإن عجزنا فعلى الأقل ألا تكون نكداً وكرباً؛ فإن حصلا فلا يجب أن يؤثرا على واجباتنا وأدائنا ..
جعلكم الله جميعاً من سعداء الدنيا والآخرة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة