... وعاشوا في رخاء
له بريق وبريق، له صوت رنان.
به يميّز الناس بين الغني والفقير، ويقولون إن قدْرك قدر ما تملك منه، فهو الميزان والمقياس لأهميتك عند الكثيرين، بل قد يعده آخرون جنسيتك وهويتك ودينك وإلهك!
به يتفاخرون ويتباهون، وبه يشبعون حد التخمة والبطر والتبذير..
به يُجْرون عمليات التجميل ويغيّرون خلق الله.
به يفتحون قنوات الرقص والخزي والتخريب والإفساد.
به ومن أجله تقوم الحروب للحصول على المزيد منه، وبه يقتل الظالم كل شعبه ويسحقهم ويشردهم ويدمر بيوتهم ليظل جالساً على كرسيه!
به تُشترى الأعراض ويُباع الناس والذمم والضمائر والأخلاق.
وبه يتحالف الإنسان مع شياطين الإنس والجن ليظلم أخاه الإنسان، فيسرقه ويستولي على حقه في كل شيء: في المال والفكرة والكلمة والرأي والأنفاس والحياة!
نعم، أتحدث عن المال.
لكن المال زينة الحياة الدنيا! المال رزق الله للعبد، المال النعمة والخير والفضل. به يأكل الناس الطيبات ويشربون، به يتعلمون، يعمرون ويسكنون، يتعالجون مما يتوجعون، يتزوجون ويتكاثرون، يقدمون الهدايا ويحتفلون، يتنزهون ويسافرون، يتاجرون ويتكسبون، يزدهرون وينتعشون ...
أهي معادلة مستحيلة الحل؟ هل هو خير أم شر؟
ليست مستحيلة ولا صعبة، فهو زينة الحياة الدنيا، كل الناس تحبه، طلبه وكسبه بالحلال فرض شرعي للإنفاق على الزوجة والأولاد والوالدين، أكل أموال الناس بالباطل والغش والاحتكار والربا كلها محرمات، إنفاقه وبذله مطلوب في حدود الاعتدال، للفقراء حق مفروض فيه، وحسن إدارته ينعش الاقتصاد ويثري الدول. أما التوزيع العادل له فهو يريح الناس في الحصول على لقمة عيشهم فيستثمرون ما بقي من طاقاتهم في التطور والنماء والإبداع، ويقضي العدل على البطالة والحاجة والحقد والحسد والتنازع والظلم..
وما أجمل إسلامنا عندما علّمَنا أن علاقة طردية بين الاستغفار والحمد من جهة وزيادة المال من جهة أخرى، فقال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) (نوح: 10-12)، وقال سبحانه: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7) إن مَن يحتاج المال لضرورة كعلاج أو طلب علم أو زواج يشعر بالضعف والضيق، فيذكّره الاستغفار والحمد بإله موجود قريب حنّان منّان كريم واسع العطاء، فيتجدد لديه الأمل بالفرج ويستعيد ثقته بنفسه وبكل شيء حوله، وينتظر متفائلاً راضياً غير ساخط، فيأتيه الفرج من حيث لا يحتسب!
صلة الأرحام باب آخر مفتوح لزيادة الرزق: «من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه» (متفق عليه).. صدقت يا رسول الله، فقد جربت ذلك وكانت النتيجة فورية.
ذهبوا لعمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - بأموال الزكاة، فقال: «أنفقوها على الفقراء»، فقالوا: ما عاد في أمة الإسلام فقراء! فاقترح أن يجهزوا بها الجيوش، فقالوا: جيوش المسلمين تجوب الدنيا، «فَزَوِّجوا الشباب»، ففعلوا وبقي مال، «فَسُدّوا الدَّيْن عن المسلمين واليهود والنصارى وأنفِقوا على أهل العلم»، وبقي مال!
فقال رضي الله عنه: «اشتروا بها قمحاً وانثروه على رؤوس الجبال حتى لا يُقال: جاع طير في بلاد المسلمين»!!
عرف رضي الله عنه كيف يستثمر هذه النعمة، زين به حياة شعبه، عرف أن المال مال الله (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) (النور: 33)، وعرف أنه مستخلف على هذا المال ومؤتمن، فأعطى السائل والمحروم حقهم فيه، وشدد على فريضة الزكاة، وأصلح البنية التحتية: الطرق والمواصلات والترع، وأحسن توزيع الثروات فقضى على التفاوت الاجتماعي بين الناس، ورشّد الإنفاق في شؤون الدولة فلا إسراف ولا شحّ.. فشعر الناس بالأمن والعدل، فاستثمروا وتكسبوا وانتعش اقتصاد البلاد وعاشوا في رخاء...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة