نسائم الحج

نسائم الحج 

حوار مع الأستاذة سهام صبره الكسواني

أجرى الحوار: منال المغربي 

من رحمة الله تعالى بعباده أن يرسل لنا مواسم الخير نتفيأ تحت ظلالها نسائم الطاعات والعبادات، ومن أهم هذه المواسم موسم الحج، الذي يتهيأ له المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها..  وحول الأبعاد الروحية والدعوية والفكرية للحج أجرت المجلة حواراً مع الأستاذة سهام صبره الكسواني.. حاصلة على دبلوم علوم شرعية، أديبة وشاعرة... عضوة في المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مسؤولة سابقة في جمعية المحافظة على القرآن الكريم في عمَّان، تعمل في مجال الدعوة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وأم لـ 5 بنات وولدَين.

1. منبر الداعيات: ما هي أبرز الدروس التي يجب أن نستمدها من الحج هذا العام على ضوء ما يجري لأمتنا الإسلامية في كل مكان؛ سواء في سورية أو الأقصى أو بورما أو مصر أو غيرها من بلدان أمتنا الإسلامية؟

• أن نعمل على تنمية فكرة الحج وربطها بقضايا أمتنا؛ فطالما أن الحج هو عبارة عن جهاد في سبيل الله وتحمّل المشاق والمتاعب من أجل إرضاء الله سبحانه وتعالى وتكفير الخطايا والذنوب؛ فعلينا أن نستمد من جهاد الحج: الجهاد بأقلامنا وأصواتنا وأموالنا، وأن نحمل قضايا أمتنا وما يجري لأبنائها من قتل وتجويع وتعذيب وتشريد في فلسطين والعراق ومصر وسورية وبورما وفي كل مكان.

2. منبر الداعيات: لو أردنا أن نستقصي ثمرة الحج في حياة المسلمين من الناحية الإيمانية والاجتماعية والفكرية.. فماذا تخبرينا؟

• الحج هو الفرصة الوحيدة التي تتيح لنا تجديد كل شيء في حياتنا... الروح والنفس والمشاعر والقلوب هذا من ناحية إيمانية.. فالحج هو الفرصة الوحيدة ليعود المسلم كيوم ولدته أمه، وتجديد علاقتنا وتوثيقها مع الله، ثم أنفسنا بأن نرتقي بها نحو العلياء ونعانق بأعمالنا الثريا.. الحج يعلمنا كذلك كيف يكون الإخلاص في العمل، وكيف نصبر على دعوتنا في ظل أوضاع الفساد المحيطة بنا؛ لأن الحج من أهم ميزاته الصبر.. أما من ناحية فكرية؛ فالحج فرصة لنتمسك بقضيتنا ومقدساتنا وأن نعيَ ما يدور حولنا من قضايا مؤلمة في جميع أنحاء المعمورة. وأما من ناحية اجتماعية؛ فهو عبارة عن مهرجان عالمي يجمع بين المسلمين في أطهر بقاع الأرض لتأدية عبادة من أسمى العبادات. 

3. منبر الداعيات: ما هو واجب الحجيج تجاه قضية القدس والأقصى؟

• إن وجود الحجاج على أرض المسجد الحرام هو عبارة عن تذكير بالصِّلة المترابطة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ولذا يجب على حجاج بيت الله الحرام أن يجعلوا المسجد الأقصى وقضية القدس في مجمل النقاش والبحث الجاد؛ وذلك بإظهار مكانتها وأهميتها في النفوس، وبيان وتعريف ما يتعرض له المسجد الأقصى من تهويد وتخريب وغطرسة من قِبل الكيان الصهيوني، كما يجب على الحجيج أن يوثِّقوا في نفوسهم وشعورهم أن هناك مرابطين على الثغور يتمسّكون بحجارة المسجد الأقصى دون كلل أو ملل في سبيل الله.

4. منبر الداعيات: كيف نجعل من الأيام العشر من ذي الحجة فرصة لتجديد وتوثيق علاقتنا بالقرآن؟

• إن الله سبحانه وتعالى أقسم وقسَمُه حـقٌّ قال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر: 1 -2)، والليالي العشر هي العشر من ذي الحجة وترتبط بالعشر الأخير من رمضان من ناحية السباق والفوز بالجنة، وهل من سباق في غير رمضان ؟ نعم إن السباق دوماً يتجدّد مع تجدّد الأحداث والأيام المباركة؛ فشهر رمضان أُنزل فيه القرآن، ويجب

أن نتذكر ذلك في العشر من ذي الحجة بأن نحافظ على دستورنا، فالقرآن هدى ورحمة، ويكفينا بالقرآن أن يكون لنا نوراً نمشي به على الأرض.

5.  منبر الداعيات: العشر من ذي الحجة أيام عظيمة، كيف ننقش آثارها في نفوس أطفالنا؟

• يجب أن نجعل أطفالنا يستشعرون عظمة هذه الأيام؛ كعَقْدِ حَلقَةِ ذِكْر لهم؛ لبيان أجمل وأسمى الأعمال التي يجب أن تقوم الأسرة بها في هذه الأيام، كالأعمال الصالحة التي يحبها الله سبحانه من التكبير والتهليل، ويجب علينا كأمّة مسلمة أن نقتدي بالسلف حيث كانوا يُعلِّمون أبناءهم أجمل الأعمال ويجددونها في ذي الحجة؛ لكي يقوموا ببنائهم على الوجه الذي يرضي الله كضبط شهواتهم وتنمية مهاراتهم، وتمسكهم بكتاب الله، وتذكيرهم بأن الله أقسم بهذه الأيام لعظمتها في سورة الفجر كما ذكرنا بقوله تعالى: (والفجر وليال عشر) وهي العشر من ذي الحجة.

6. منبر الداعيات: لمن لم يتيسَّرْ له الذهاب إلى الحج؛ هل من خطوات إيمانية وعبادية وسلوكية يستجلب بها رحمة الله في هذه الأيام العظيمة المباركة؟

• لمن لم يتيسَّرْ له الذهاب إلى الحج عليه بالعشر من ذي الحجة؛ ففيها السباق جميل، لعله ينجح ويكون من الفائزين، فعلى كل مسلم أن يكثر من أعمال الخير والصبر على الطاعة وتهذيب النفس وتربيتها جيداً.. كذلك يحرص على صوم العَشْر ويتصدق ويقرأ القرآن ويتوجّه بقلب خاشع بالدعاء إلى الله.. فنحن بحاجة ماسة للدعاء أملاً بتغيير واقع أمتنا المرير وما آل إليه حالها.

7. منبر الداعيات: برأيك هل يمارس المسلم فعلاً في عصرنا فريضة الحج كعبادة جماعية تعزز وحدة المسلمين وتجمع كلمتهم على الوجه المطلوب؟ أو أنها ما زالت عبادة فردية؟ 

• للأسف إن المسلمين لا يزالون يؤدون فريضة الحج كعبادة فردية، وهذا الأمر من شأنه أن يزيد من شتات المسلمين في جميع أنحاء الأرض، ولو أنهم جعلوا فريضة الحج جماعية؛ لعزَّزوا وحدتهم ولسلكوا بذلك طريق الجهاد في سبيل الله، وهبُّوا هبَّةً واحدة طلباً لتطهير مقدساتنا من دَنَس اليهود، ونسأل الله أن يؤلِّف بين قلوب المسلمين ويوحّد كلمتهم وينصرهم على عدوهم.

8. منبر الداعيات: ما المطلوب لتحقيق هذه الوحدة من كل النواحي عملياً وعلى أرض الواقع؟!

• المطلوب لتحقيق هذه الوحدة أولاً: توحيد كلمة الله في كل مكان، وتوحيد الصفوف، وأن يكون المسلمون لبعضهم كالبنيان المرصوص «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» رواه البخاري ومسلم، والعمل على توعية الناس بهذا الدين؛ بحيث يكون لديهم فهم ومعرفة به ترسو بهم إلى برِّ الأمان، وتربية أبنائنا تربيةً جهادية، وتعريفُهم مَن هو عدوهم،  والعودة إلى كتاب الله والعمل به.

*     *     *

في ختام الحوار لا يسعنا إلا شكر الأستاذة سهام صبره الكسواني سائلين المولى عزّ وجل أن يجمعنا والمسلمين على صعيد عرفات العام المقبل وقد تحرَّرت أمتنا الإسلامية من نِيْر الطغيان والأسْرِ والقتل والاستبداد..