أهلاً رمضَـان
أهلاً بشهرِ الصوم رَوْحَ قلوبنا..
أهلاً بشهرِ الصوم يجمع بيننا..
أهلاً بشهرٍ تشتاقه نفوسنا.. وتهفو إليه قلوبنا.. يرتادنا عاماً بعد عام، فنجد فيه الأنس بعد الوَحشة، والراحة بعد التعب, والطمأنينة والسكينة بعد اللهاث والغليان، والنظام والترتيب بعد الفوضى والتشتت، والذكرى والموعظة بعد الإعراض والنسيان.
أهلاً بالأيام المعدودات، تجلو عن قلوبنا الران، وتمحو عن نفوسنا الغِل والحقد، وتطهّر أرواحنا من الإثم والحَوْب لتسمو بها نحو بارئها صافيةً ضافيةً, راضيةً مَرْضية، هانئةً سعيدة, في نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، ولا يدركها إلا من عاشها, نعمة يتقلب فيها الصائم في دنياه قبل آخرته، وفي عاجل أمره قبل آجله.
أهلاً بشهرٍ تُقام فيه للعبادات دولة، ويُشاد فيه للطاعات صروح: فمن صيام إلى صلاة، ومن تلاوة للقرآن إلى ذكر للرحمن، ومن زكاة إلى صدقات ومَبَرّات.
أهلاً بشهرٍ يعيد للأخلاق نقاءها, وللنفوس صفاءها، وللقلوب والسرائر أُنسها وبهجتها فترى الناس فيه متحابّين متعاونين, وترى الأرواح فيه متعارفة متآلفة، وترى الخير فيه يعمّ الجميع.
أهلاً بشهرٍ يجمع الشمل بعد طول شتات، ويؤلف القلوب بعد طول تنافر، ويزكّي النفوس بعد طول تنافس وتدابر.
أهلاً بموسم الطاعات، ومَوْئل الرحمات، ومستودع المَبَرات والصدقات، وزمان الخيرات والمَسَرّات.
أهلاً بشهرِ التراويح، شهر القيام والتسابيح، والمجالس التي تحفّها الملائكة وتغشاها الرحمة ويذكرها الله فيمن عنده.
أهلاً بشهرِ الغني والفقير، والصالح والطالح، والتائب والعاصي، والمقبل والمدبر، والبَرّ والعاق.. يزداد فيه الغني إنفاقاً، والصالح تُقىً وصلاحاً، والتائب استقامةً وفلاحاً, والمُقبِل قُرْباً ووِصالاً، والبَرّ طاعةً ورضواناً. ويعود الفقيرُ فيه حامداً شاكراً, والطالحُ صالحاً فالحاً، والعاصي تائباً نادماً، والمدبرُ مقبِلاً ساعياً، والعاقُّ بَرّاً راضياً.
أهلاً بشهرِ القرآن.. شهر الكلام مع الرحمن، وما أجمل أن يكلم العبد ربه، والمملوك مليكه، والمخلوق خالقه، وما أجمل أن يناجي الحبيب حبيبه دون واسطة أو وسيلة.. أو رقيب أو حسيب.
ما أجمل أن يناجي الصائم ربه، وهل يناجيه إلا بالقرآن؟
ما أجمل أن يكون المرء من أهل الله وخاصته، وهل لله أهل وخاصّة إلا أهل القرآن؟ «إن لله تعالى أهلين من الناس». قالوا: يا رسول الله مَن هم؟ قال صلى الله عليه وسلّم: «هم أهل القرآن، أهل الله وخاصّته»(1).
ما أجمل أن يأكل المرء من مأدُبة الرحمن، وهل للرحمن مأدبة في الأرض إلا مأدبة القرآن؟
إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فاقبلوا مأدبته ما استطعتم... إن هذا القرآن حبل الله المتين والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمَسَّك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيُستَعتب، ولا يَعْوَجّ فيُقوَّم، ولا تنقضي عجائبه، لا يخلَق(2) على كثرة الردّ... اتلوه فإنّ الله يأجركم على تلاوته، كل حرف عشر حسنات، وقد قال لنبيُّ الرحمة: «لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».
أهلاً بشهرٍ يضمّ ليلة القدر، أعظم ليالي الدهر، وهي خير من ألف شهر.. فطوبى لمن عرف قدرها، وطوبى لمن ترقبها، وطوبى لمن أدركها.
أهلاً بشهرٍ يبدأ بالمغفرة، ويتوسط بالرحمة, وينتهي بالعتق من النار.. فيا سعادة من غنمه، ويا فوز من كان فيه من المقبولين.
أهـلاً برمضـاننـا، مجمـع خيراتنـا، ومَراح نفوسنا، ومبلغ أمانينا.
رمـضاننـا أنت الـمنى فـي كـلِّ عـام بـالـهـنا
قـد زرتـنـا يـا فوزنا بـفضـلـك نلـنـا الـمرام
1- صحيح الجـامع: 2165.
2- أي لا يَبْلَى.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن