داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
استراتيجية فتوحات الصحابة ( الصحابة في لبنان 1)
كتب بواسطة يوسف القادري
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1052 مشاهدة
ستكون سلسلتنا هذه "الصحابة في لبنان" نافذة إلى التاريخ المجهول المهمَّش، جُمِعتْ جزئياته الممتعة المدْهشة التي تُجيب على أسئلة كثيرة؛ منها: كيف وصل الإسلام إلى لبنان؟ هل دخل الصحابة والصحابيات إلى هذه الأرض؟ وما أسماؤهم؟ أين نامت التفاصيل الرائعة لتلك الحقبة المضيئة؟
استراتيجية فتوحات الصحابة
ظهرت بَوَادر الرِّدّة مِن بعض الأفراد والمجموعات قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سنة 11هـ، ثم كانت البيعة لأبي بكر رضي الله عنه الذي ضَرَب المرتدين الخارجين عن شريعة الله المنكرين لوجوب الزكاة أو المانعين لأدائها - ضرَبهم بيد من حديد مطلِقاً شعارَه: (أينقص الدين وأنا حيّ؟!) وكما في صحيح مسلم: (واللهِ لأُقاتِلَنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال. واللهِ لو منعوني عقالاً كانوا يُؤدُّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلملَقاتلتُهُم على مَنعه)، فسَيَّر جيشَ أسامة بن زيد، وعَقد 12 لواءً لمواجهة المرتدين.
وبعد أن استتبّ الأمنُ في شبه الجزيرة العربية كلها وعادت إلى الإسلام دِيناً ودولةً، وخمدت فتنة الردة، أراد الخليفة أبو بكر في شهر رجب من سنة 13هـ أن يضع إستراتيجية عسكرية.
يقول المؤرّخ المحقِّق د. عمر عبد السلام تدمريّ حفظه الله حول تلك الإستراتيجية في كتابه المميز «الصحابة في لبنان» ص13، ناقلاً عن شاهد عِيان هو الصحابي عبدالله بن أبي أَوفَى الخُزاعي:
«لما أراد أبو بكر رضي الله عنه أن يجهّز الجنود إلى الشام دعا عمرَ، وعثمان، وعليّاً، وطلحة، والزُبَير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبا عُبَيدة بن الجرّاح ووجوهَ المهاجرين والأنصار من أهل بدر وغيرهم، فدخلوا عليه وأنا فيهم...».
فقد كان يجمعهم عادة ويقول: «قد علمتم أنَّ مِن عَهْد نبيكم إليكم المشورة فيما لم يَمْضِ فيه أمرٌ مِن نبيِّكم ولا نزل به الكتاب عليكم. وأنا رجل منكم تنظرون فيما أشير به عليكم. وإنّ الله لن يجمعكم على ضلالة، فتجتمعون على الرشد في ذلك». وطلب أبو بكر رأيَهم في قتال الروم، وأبدى كلٌّ منهم ما لَديه، فكانت نتيجة هذا التشاور قرارَ التوجُّه إلى بلاد الشام. فأرسل سيدنا أبو بكر إلى القادة وعقد لهم:
· لواء يزيد بن أبي سفيان (إلى دمشق).
· لواء أبي عُبَيدة بن الجرّاح (إلى حمص).
· لواء عمرو بن العاص (إلى فلسطين).
وأَمَر سيدُنا أبو بكر أن يَسلك كلٌّ منهم غيرَ طريق صاحبه. وقال: «إنّي باعثكم في هذا الوجه، ومؤمِّرُكم على هذه الجنود، وأنا موجِّهٌ مع كل رجل منكم من الرجال ما قدرتُ عليه، فإذا قدِمتم البلد ولقيتم العدوّ، واجتمعتم على قتالهم فأميركم أبو عُبيدة بن الجرّاح، وإنْ لم يلقكم أبو عُبيدة وجَمَعتْكم حربٌ فأميركم يزيد بن أبي سفيان».
ثم إنّ الناس خرجوا إلى مُعَسْكرهم بالعشرات والمئات في كل يوم، حتى اجتمعوا وكثُروا. ولم يكتفِ أبو بكر بذلك، بل أرسل يدعو أهل اليمن ليخرجوا إلى الجهاد، فنفر إليه عدد كثير، ثم قدمت حِمْيَرُ بنسائها وأولادها، وآخرون.
ويُكمل د. تدمري قائلاً: «دَعَا أبو بكر يزيدَ بن أبي سفيان فعقد له، ثم أوصاه فقال:
«يا يزيد، إنّي أُوصيك بتقوى الله وطاعته والإيثار له، والخوف منه، وإذا لقيتَ العدوّ فأظفَرَكم الله بهم فلا تَغْلُلْ (لا تَسرِقْ)، ولا تمثِّل (لا تُشوِّه الجثث)، ولا تغدُر، ولا تَجْبُنْ، ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تحرقوا نَخْلاً، ولا تُعَرِّفوه (لا تقشروه رحمة بالناس وبعداً عن الإفساد وحفاظاً على البيئة والأموال)، ولا تقطعوا شجرة مُثمرة، ولا تَعقروا بهيمة إلاّ لِمأْكَلَة. وستمرّون بقومٍ في الصوامع يزعُمون أنهم حَبسوا أنفُسَهم لله، فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون آخرين قد فحص الشيطان عن أوساط رؤوسهم (حلقوا أوساط رؤوسهم): فاضربوا ما فحّصوا من رؤوسهم بالسيوف (الحرب)، حتى يُنِيبوا إلى الإسلام (الهداية)، أو يؤدّوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون (الجِزية: يدفعها الذمّي المُكتَسِب تصاعديّاً بدل الحماية). ولَيَنْصُرَنَّ الله منْ ينصُرُه ورُسُلَه بالغيب» (تاريخ فتوح الشام للأزدي1-12، نقلاً عن تدمري ص14).
«وكان لهؤلاء وغيرهم من الصحابة الكرام، رضوان الله عليهم أجمعين، الفضل في فتح سواحل الشام بما فيها «لبنان»، وتحريره من احتلال الروم (البيزنطيّين) الذين أخضعوه لحكمهم واحتلالهم أكثر من ثلاث مئة عام، فنشر الصحابة الإسلام في ربوعه، وارتفعت فوق حصونه رايات «الله أكبر» خفّاقة، وبُنيت المساجد والجوامع، ورُفع فيها اسم الله الواحد الأحد، وتزيّن «لبنان» منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالثقافة الإسلامية وحضارة الإسلام، وسيبقى كذلك بإذن الله تعالى إلى أن يرِث اللهُ الأرضَ ومن عليها.
ولقد كان أول ما يقدم عليه المسلمون بعد فتح المدن والحصون هو المسارعة إلى بناء «المسجد الجامع» ليؤدّوا فيه الفرائض، ويقيموا المنابر لصلاة الجمعة، وذلك امتثالاً لأمر الخليفة؛ قال عبد الرحمن بن جابر الأنصاري: «إنّ أبا بكر لمّا وجّه الجيش إلى الشام قام فيهم فحَمِد الله وأثنى عليه، ثم أمرهم بالمسير إلى الشام وبَشّرهم بفتح اللهِ إيّاها: «حتى تَبْنُوا فيها المساجد فلا نعلم أنكم إنما تأتونها تَلَهِّياً». (شرح السِّيَر الكبير للسَّرَخْسي 1/46، وتاريخ دمشق 2/75. نقلاً عن د. تدمري ص17و18).
وبالنظر فيما سبق يتَّضح أن مجلس الشورى الذي عقده الخليفة مع عِلْيةِ الصحابة تمخَّض عن استراتيجية الفتوحات الآتية:
1. التحرير: تحرير أرض الله مِن المحتلّين الروم (البيزنطيّين) الحاكمين بغير شريعته.
2. الحِمَاية: برفع ظلم الجاثمين على صدور الشعوب، ورعاية الناس؛ مُسْلمِين وغير مسلمين.
3. الهِدَاية والتعليم: بحَمْلِ رسالةِ الإسلام إلى الشاردين، تُعرَض عليهم بلسان الحال والمقال، ثم تُتْرك لهم حرية القرار: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ). ثم تعليم المستجيبين.
4. الأمْن الوِقائيّ: تَلافياً لِدَاء الفراغ الرِّساليّ ومِن الركود والتَّرَف، مما قد يؤدِّي إلى الفتنة الداخلية. فأبو بكر رضي الله عنه هو راوي حديث: «ما ترك قوم الجهاد إلا ذلّوا» أخرجه الطبراني.
وسيرى قارئ هذه السلسلة وقائع تؤكد هذا. ولا شك أن لاختيار بلاد الشام للفتوحات أولاً دوافعَ أخرى، وفوائدَ مباشرة وغير مباشرة، ستجدون الإجابة عن أهمها إن شاء الله في الحلقة الثانية: «لماذا دمشق أَوّلاً؟».
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن