يتلونه حق تلاوته
كتب بواسطة الدكتور صلاح الخالدي
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1585 مشاهدة
أثنى الله على موقف المؤمنين من القرآن، وعلى حسن تلاوتهم له فقال: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته، أولئك يؤمنون به، ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) (البقرة: 121).
وإن هذه الجملة القرآنية المعجزة الموجزة (يتلونه حق تلاوته) لتُرسي قاعدةً منهجيةً في كيفية التعامل الحيّ مع القرآن. إنَّ فعل: تلا، يتلو، له معنيان:
الأول: القراءة، تقول: فلان يتلو الكتاب، أي يقرأ ما فيه.
الثاني: الاتّباع، تقول: جاء فلان يتلو فلاناً، أي جاء بعده متّبعاً له.
وهذان المعنيان واردان في آيات القرآن، فمِن ورود التلاوة في القرآن بمعنى القراءة قوله تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور) (فاطر:29)، أي : هؤلاء المؤمنون يقرأون كتاب الله تعالى.
ومن ورود التلاوة في القرآن بمعنى الاتباع قوله تعالى: (والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها) (الشمس: 1-2).
فالقمر يتلو الشمس، أي يتبعها ويأتي بعدها.
ومنها قوله تعالى: (أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه، ومن قبل كتاب موسى إماماً ورحمة) (هود: 17)، وهذان المعنيان: القراءة والاتباع واردان مقصودان في هذه الجملة القرآنية المعجزة: (يتلونه حق تلاوته)، ويشيران إلى أن صلة كل منّا بالقرآن لا بد أن تكون على مرحلتين:
المرحلة الأولى: نحقق فيها المعنى الأول للتلاوة وهو القراءة، فنحسن قراءة آيات القرآن، ونتقن أحكام ترتيل القرآن، وننفذ قول الله تعالى: (ورتِّل القرآن ترتيلاً) (المزمل: 4).
المرحلة الثانية: نحقق فيها المعنى الثاني للتلاوة، وهو الاتباع، فنحسن اتّباعنا للقرآن، من خلال صدق التزامنا به، وتدبّرنا له، وتنفيذنا لأحكامه.
والمرحلة الأولى يجب أن تقودنا إلى المرحلة الثانية، فمن حقق المرحلتين فهو رجل قرآني حقاً، وهو قد تلا القرآن حقّ تلاوته. أما من اكتفى بالمرحلة الأولى: وأهمل المرحلة الثانية؛ فهو آثم معذَّب عند الله، والقرآن حجة وشاهد عليه يوم القيامة، ولا ينفعه تلاوته لآياته وأحكامه وإتقانه لقراءتها، لأنه أهمل تطبيقها والتزامها.
لا يجوز أن نهمل المرحلة الأولى من التلاوة، فيجب أن نحسن قراءة آيات القرآن، وأن نتقن أحكام الترتيل، لكن لا يجوز أن نكتفي بهذه المرحلة وأن نتوقف عند القراءة.
والمشكلة أن بعض المسلمين يكتفي بتلاوة وقراءة آيات القرآن، فيحرص على إتقان أحكام الترتيل وتجويد الصوت ولا يتسامح في حركة من حركات الترتيل، أو مخرج من مخارج الحروف، ولكنك عندما تنظر في اتباعه للآيات التي أحسن قراءتها فلا تكاد ترى من ذلك الاتباع شيئاً.
يجب أن نتلو القرآن حق تلاوته، وأن توجد في حياتنا عملياً هذه الجملة المعجزة الموجزة (يتلونه حق تلاوته).
إن حق التلاوة يعني أن نقرأ آيات القرآن حق القراءة، ثم أن نتبع أحكام القرآن حق الاتباع، وأن ننفذها حق التنفيذ، وأن نلتزم بها حق الالتزام.
وهذا المعنى هو الذي فهمه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: (يتلونه حق تلاوته: يتبعونه حق اتباعه، فيحلّون حلاله ويحرّمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه)، وقال قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما: معنى (يتلونه حق تلاوته) يتبعونه حق اتباعه، ألم تر إلى قول الله: (والقمر إذا تلاها) أي: إذا اتبع القمر الشمس).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده! إن حق تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرف الكلم عن مواضعه)، وقدم لنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نصيحة عظيمة في حسن اتباعنا للقرآن، فقال: (اجعل القرآن أمامك، ولا تجعله خلفك، فإن جعلته أمامك؛ قادك حتى يدخلك الجنة، وإن جعلته خلفك؛ دفعك دفعاً في نار جهنم).
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة