داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
(الصحابة في لبنان 7) طرابُلُس وصُوْر في قبضة يوقنا المجاهد
كتب بواسطة يوسف القادري
التاريخ:
فى : المقالات العامة
803 مشاهدة
مِن مِيزات الفتوحات الإسلامية أنك تَجد شعوباً تحررتْ عبرها، فانقلب أفرادها مباشرة من أعداء إلى دعاة حاملين لرسالة الإسلام، متطوّعين بالجهاد في جيش الفاتحين، مشاركين في إسقاط أنظمة الظلم والاستبداد!
وذلك ما أدهش هرقل نفسه عندما سمع أخبار المسلمين فقال: «وكذلك الإيمانُ إذا خالطَتْ بشاشتُه القلوب... إنْ كان ما تقول حقاً فسيَمْلِك النبي محمد صلى الله عليه وسلم موضعَ قدمَيّ هاتين».
وهذا ما حصل مع حاكم حلب القائد «البطريق» يوقنا (البطريق: لقب للقائد العميل لِمَلِك الروم)، فقد جاهد منذ اليوم الأول هو وإخوانه المسلمون الجدد ففتحوا أنطاكيا في قصة عجيبة غريبة سطّر المؤرخ الواقدي تفاصيلها في «فتوح الشام».
استشار أبو عبيدة في فتح ما بقي من ساحل الشام «اللبناني» فقال يوقنا: إني أريد أن أسير قَبْلَك لعلّي أفوز من القوم بغزوة.
ولَمّا أذن له أخذ يوقنا 4000 مِن أصحابه الحلبيين الذين أسلموا، بالإضافة إلى مَلِك رومية فلنطانوس الذي أسلم مع قومه وهم 4000 أيضاً، و3000 فارس ممن أسلم في عسكر العرب.
وكان للمَلِك هرقل ولد اسمه «فلسطين» هرب إلى قيسارية (مدينة ساحلية شمال حيفا) وتحصّن بها وبعث إلى أهل طرابلس يستنجدهم. فبعثوا له بـ 3000 فارس يقودهم جرفاس بن صليبا.
نَصَبَ يوقنا لهم كميناً على طريقهم في الليل، فلما توسطوا أطبق عليهم وأصحابه فقتلوا منهم وأسروا ثم ضَربوا طوقاً أمنيّاً بِنَشْر الخيل في تلك الأرض كتماناً للخبر لئلا ينفلت من الروم أحد. وترك يوقنا 2000 من أصحابه ليحرسوا الأسرى. ثم ألبس أصحابه زِي الأسرى الروم وساروا نحو طرابلس، فخرج كل من في البلد إلى لقائهم واستقبلوهم في دار الإمارة ودخل عليه شيوخ طرابلس والبطارقة. فلما اجتمعوا عنده أَمَر بهم فقُبض عليهم، ثم عرَّفهم بالإسلام ودعاهم إليه فمنهم من أسلم ومنهم من رضي بالجِزية.
ولما سيطر على طرابلس واستوثق من سورها وأبوابها لَجأ إلى التكتيم الإعلامي فترك أصحابه على الأبواب، وقال: لا تَدَعوا أحدًا يخرج من المدينة. وبعد أيام جاء زهاء خمسين مركبًا وقالوا: جئنا من جزيرة قبرص وجزيرة أقريش، معنا العُدد والسلاح لإمداد «فلسطين بن هرقل». فأظهر يوقنا لهم الفرح والسرور، ثم أمر بهم إلى دار الضيافة وبعث إلى قواد المراكب فأنزلهم جميعاً ومدّ لهم السُّفرة، ثم أسرهم.
وبهذه الخطة قبض على جميع أهل المدينة وعلى أصحاب السفن! وإذا بخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه قد أقبل في 1000 فارس فسَلَّم له المدينة وترك معه كثيراً من أصحابه، وحشَد المراكبَ برجاله بأزياء الروم ومضى إلى صُوْر.
فما أصبح يوقنا إلا وهو في مدينة صور، فاستقبله حاكمُها العميل للروم «أرمويل بن بسطة» وأَمَر بالبوقات فضُربت والرايات فنُشرت؛ فقد ظنهم أهل قبرص المقبلين إلى قيسارية لنصرة الملك «فلسطين» بالعُلوفات والطعام والعُدد، فنزل يوقنا مع تسعمائة رجل من أصحابه استخلصهم لنفسه وترك الباقين في المراكب، وأرسل بريداً إلى خالد وأخبرَه بالقصة. صنع لهم أرمويل طعامًا ومدّ لهم سفرة عظيمة، ويوقنا ينتظر الليل حتى يثور بأصحابه.
قال الواقدي: ما سمعت بأعجب من هذه القصة!! فقد أقبل رجل من بني عم يوقنا إلى أرمويل في السر وفضح الخطة! فقَبض على يوقنا وأصحابه.
ووكل أرمويل بهم 1000 رجل وقال: سيروا بهم إلى المَلِك يفعل فيهم ما يريد. وأقبلوا يعنِّفون يوقنا وأصحابَه، فلما همُّوا أن يسيروا بهم عَلا الصياح من الأبواب حيث حضر أهل القرى المحيطة بِصُور فراراً أمام العرب! فقد حاصر عمرو بن العاص قيسارية ثم وجَّه يزيد بن أبي سفيان في 2000 فارس إلى صور! فلما سمع أرمويل بذلك أمر بالأبواب فأغلقت وصعدت الرجّالة على الأسوار والأبراج وأضرموا نيرانهم ونَصَبوا المجانيق، وباتوا يرقصون ويشربون طول ليلتهم.
فلما كان الغد أطل عليهم جيش يزيد بن أبي سفيان، فاحتقر أرمويل عددهم مقابل جنوده الـ4000 وقال: وحقِّ المسيحِ لا بدّ لي من الخروج إليهم وهَزْمِ هذه الشِّرذمة اليسيرة! ولم يبقَ أحد من شباب المدينة لا صغيرٌ ولا كبيرٌ إلا وخرج معه، وبقي العوام ينتظرون على الأسوار ما يكون!
سجن أرمويل يوقنا وأصحابه في قصر صور ووكل ابنَ عمه باسيل بحراستهم. وكان باسيل مثقفاً دينياً قد بحث في صدق نبوة محمد، فبقي في حيرة من أمره. فلما انفرد بيوقنا وأصحابه سألَه: أيها البطريق كيف تركتَ دين آبائك؟! فاستشفّ يوقنا ميلَه فأجابه: يا باسيل ظهر لي من الحق ما ظهر لك! فصارحه باسيل: عزمتُ واللهِ أن أفارق قومي وأتَّبعكم فإن الحق بَيِّن. ثم حَلّ يوقنا وأصحابه وسَلَّم إليهم السلاح.
فبعث يوقنا رسولاً إلى يزيد يخبره بشأنه داخل المدينة. وقال لأصحابه: ليصعد منكم خمسمائة رجل إلى السور ويقتلوا مَن عليه. فقال باسيل: ليس هذا رأيًا، فإن العوام لا اعتبار لهم ولعل الله أن يهديهم إلى الإسلام، ولكن مُرْ أصحابك أن يلزموا مطالع السور حتى لا ينزل أحد منهم، فسيخافون ويطلبون الأمان.
ثم صاح يوقنا وأصحابه قائلين: لا إله إلا الله محمد رسول الله! فسمع كل من في المدينة ومن على السور صيحتهم فعلموا أن يوقنا وأصحابه تخلصوا من الأسر وسيطروا على المدينة! وسمع يزيد بن أبي سفيان الضجة فعلم أن المسلمين قاموا في المدينة فكبّر وكبر المسلمون.
وطار عقل أرمويل ورجاله على أولادهم وأهاليهم!! فولوا الأدبار واتّبع المسلمون آثارهم. فلما أصبح الصباح فتح يوقنا باب المدينة ودخل يزيد بن أبي سفيان ومن معه من المسلمين ونادى من كان على السور طالبين الغوث فأمّنهم المسلمون ونزلوا بأجمعهم، فعرض يزيد عليهم الإسلام أو الجزية، فأسلم أكثر القوم. ثم بعث عمرٌو جيشًا إلى صور مع الصحابي ياسر بن عمار بن سلمة وكان شيخًا كبيرًا.
ويؤرخ الواقدي لهذه الأحداث قريباً من رجب الفرد سنة 19هـ.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن