رمضان غير شكل مع الثورة -2-
كلما جاء رمضان تذكّرنا حديثه عليه الصلاة و السلام عن أبوابٍ تُغلق وأخرى تُفتح، بالتأكيد أبواب الجنة هي التي تفتح وأبواب جهنم تُغلق، وتذكّرنا أيضًا في سياق الحديث أن الشياطين تُصفّد، هذا بالذات، أي تصفيد الشياطين في رمضان له أثر كبير جدًا على أدائنا في هذا الشهر. نحن نعلم طبعًا وعموم الملتزمين وأولئك الذين يصومون فقط في رمضان يعلمون أنهم يكونون أفضل أداءً خلال الشهر الفضيل منه في بقية السنة، ويرتبط ذلك- بوعيهم على الأقل- في أنهم يفسّرون قوّتهم بهذا الشهر بموضوع الشياطين المصفدة، يربطون قوة أدائهم بتصفيد الشياطين… وهذا جزء من الحقيقة، فمجرد إيمانك بأن الشياطين تُصفّد في رمضان فإن ذلك يجعلك أقوى وأفضل أداءً.. أي أن هذا الإيمان ينعكس إيجابيًا على توقعاتك من نفسك مما يجعلك "أفضل فعلا"..
لكن ما هو سلبي في هذا وما يجب أن نعمل على تجاوزه هو مفهومنا القاصر عن وظيفة الشياطين، وبالتالي مفهومنا القاصر عن طبيعة أدائنا وتحسن…. نتخيل دومًا أن وظيفة الشياطين تقتصر على جرّنا وغوايتنا إلى منطقة معينة من المحرّمات، منطقة ترتبط بالشهوات “إياها”.. لكن الحقيقة أن الشياطين لديها أيضًا وظيفة أخرى لا تقل خطورة وقد تزيد، الشيطان لا يجعلك تنظر إلى ما حرّم الله فقط.. لا، أحيانًا الشيطان يجعلك تتردد، وأحيانًا يجعلك تقبل الظُلمَ، وأحيانًا يجعلك تسكت عن قول الحق… الشيطان أيضًا يجعلك تتعود على الوضع الذي يجب أن لا تتعود عليه.. الشيطان يجعلك ترضى بما يجب أن ترفضه، ويجعلك ترضى بما يجب أن تثور عليه. الشيطان يزين لك البقاء في حياة لا يمكن أن تكون هي ما خلقنا من أجلها. هذه هي وظائف الشياطين حقًا، بالإضافة إلى تلك الوظائف "الأخرى" تصفّد الشياطين في رمضان ليس فقط لأن تكون أقوى في مجال غض النظر أو التعفف عن شهوة معينة، لا طبعًا، ليست هذه المسألة فقط، شياطين التردد وشياطين الصمت وشياطين الخوف أيضا مصفدة، وبذلك تكون أنت أقدر على أن تكون أقرب لكل ما منعتك منه الشياطين خلال السنة، تترك التردد، تترك قبول الظلم، تفعل الحق وتقول الحق. لا تَخَف فالشيطان قد صُفد، ومعه صُفّدت تلك المخاوف والوساوس التي كانت تحوك في صدرك وتجعلك تخاف أن تفعل كذا وأن تقول كذا وتخاف من كذا وكذا.. كل هذا يصفد في رمضان، وعندما يحدث ذلك فان تلك القيود الموجودة في داخلك تفك.. وتجد نفسك قد وُلِدت حرًّا من جديد.
تصفيد الشياطين في رمضان يجعلك أكثر حرية ويجعلك أقرب إلى ما يجب أن تكون عليه، يجعلك أقرب إلى نفسك دون قيودها.
لو أَنصتَّ وأَصغيت السمع قليلاً، ورمضان على الأبواب، لسمعت صوت الأغلال وهي تصفد الشياطين لكن هذا ليس كل شيء.. إذ أن هناك أصوات أخرى.. أصوات لقيودك وهي تفك. لن يمكنك أن تميّز حقًا بين الاثنين.. فصوت تصفيد الشياطين هو صوت فك أغلالك وقيود،
عندما يأتي رمضان تصبح الحرية، حريتك.. على الباب .
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن