اغتيال الثورات باستبعاد روحها الإسلامية
لم يكن كلام الشيخ علي الصلابي حول مساعي سرقة الثورة في ليبيا من قبل حفنة من السياسيين الذين عملوا مع القذافي سنوات وسنوات هو المؤشر الوحيد على مساعي استبعاد الإسلاميين من مشهد ما بعد الثورات العربية، فما يجري في تونس ومصر، وحتى في سوريا أيضا دليل على ذلك .
الذين يحاولون تهميش الحضور الإسلامي في الثورات هم حفنة معقدين يتوزعون على أطياف «علمانية متطرفة» وقومية ويسارية، ويتميزون بتقديم تناقضهم مع الإسلاميين على أي تناقض آخر، بما في ذلك التناقض مع الاستبداد .
في تونس وحدها كان الحضور الإسلامي أقل بروزا في الثورة، رغم أن شباب الظاهرة الإسلامية كانوا في صلب الفعاليات الشعبية التي أسقطت النظام، بصرف النظر عما إذا كانوا من النوع المنظم أم كانوا من شباب المساجد، الأمر الذي يتكرر اليوم في سوريا، وحيث يقود شباب المساجد ودور القرآن مسيرات الاحتجاج ويقدمون الدم والشهداء، لأن الخروج إلى الشوارع وتلقي الرصاص ليس بالأمر الهين الذي يُقدم عليه أي أحد. وفي اليمن يبدو الحضور الإسلامي (الإخواني تحديدًا) واضحاً كلَّ الوضوح .
أما في مصر، فلا يماري أحد في أن شباب الإخوان، وإن لم يكونوا في صلب الحدث خلال الأيام الثلاثة الأولى، إلا أنهم هم من منح الثورة فرصة الاستمرار، وفي موقعة الجمل كانوا هم الأبطال بشهادة الجميع، تمامًا كما كان خروج الشيخ يوسف القرضاوي على الجزيرة في ندائه الشهير سببًا في تدفق مئات الآلاف إلى الميدان لحماية الثورة والثوار، هو الذي خرج صغار يزعمون أنه يريد أن يكون خمينيًا آخرَ حين اختاره الثوار ليكون خطيب جمعة الانتصار بعد سقوط الطاغية .
المساجد وصلوات الجمعة هي عناوين الاحتجاج، وفي المساجد لا نعثر في العادة على علمانيين متطرفين، ولا على يساريين، وإنما نعثر على شباب متدينين يعرفون عنوانهم وبوصلتهم جيدًا، وهو وضع طبيعي على أية حال لأن الزمن الحالي هو زمن الصحوة الإسلامية مع حضور محدود للأطياف الفكرية الأخرى التي لا ينكر أحد حضور قطاعات منها في الاحتجاجات، بل وفاعليتهم أيضا كما هو حال بعض الشبان اليساريين .
في ليبيا قاد الإسلاميون مسيرة الثورة والتحرير ودفعوا سيلاً من الدماء. ولم يكن الناتو هو سبب الانتصار كما يزعم البعض، بل آلاف من المجاهدين (كثيرًا ما استهدفت طائرات الناتو مجموعات منهم بدعوى الأخطاء)، وهم شبان لم تكن الكاميرات تخفي وجوههم ولحاهم وأدعيتهم وصلواتهم .
هؤلاء كان جزء منهم من الجماعة الليبية المقاتلة التي قامت بمراجعاتها الشهيرة (رعاها الشيخ الصلابي) التي جعلتها أقرب إلى فكر الإخوان منها إلى السلفية الجهادية، تمامًا كما كان هناك شباب الإخوان (القوّتان المنظمتان الوحيدتان في ليبيا)، وعموم شباب الصحوة الإسلامية. أما اليوم فيريد محمود جبريل ومحمود شمام وسواهما أن يقولوا لهم «شكر الله سعيكم»، سلموا الأسلحة والزموا بيوتكم، طبعا بعد أن يحرروا مدينتي سرت وبني وليد!! داخل مصر وليبيا وتونس (قد يتكرر هذا في اليمن أيضًا)، وفي أوساط المعارضة السورية، هناك مؤامرة لاستبعاد الإسلاميين من المشهد السياسي، وهناك من يصل الليل بالنهار من أجل إنجاز هذه المهمة، تمامًا كما أن هناك مؤامرة كبيرة تتصدرها دول عربية ورموز مختلفة الدوافع لتحقيق ذات الهدف، مع العلم أن بعض من يسعون لذلك إنما يريدون إجهاض الثورات من جهة، والحيلولة دون تمددها إلى بقية الدول من جهة أخرى. ولا ننسى بالطبع أن الدول الغربية هي الداعم الأكبر لهذا المخطط لأنها تدرك ببساطة أن الإسلاميين لن يقبلوا بنمط التبعية حتى لو تحدّثوا عن علاقات إيجابية مع الغرب، كما أنهم لن يقبلوا بالاعتراف للعدو الصهيوني بأي شبر من فلسطين حتى لو تحدثوا بشيء من التردد عن المقاومة والتحرير خشية ردود الفعل الدولية، وبالطبع لأن لهم قواعد شبابية واضحة البوصلة، ولا مكان في عقلها لغير الوحدة والتحرر ونصرة قضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين .
هي معركة لاستبعاد الإسلام والإسلاميين من مشهد ما بعد الثورات، ما نجح منها وما هو في طريق النجاح، وهي معركة تستبطن في جوهرها روحية اغتيال للثورات،لأن الأصل أن تعبر تلك الثورات عن ضمير الناس، وهي تختلف عن الانقلابات العسكرية التي تعبر عن توجهات الانقلابيين .
ليس أمام الإسلاميين في مواجهة هذه المؤامرة سوى الالتحام بالجماهير والانحياز لضميرها وقضاياها، فهي التي قادت الثورة، وهي التي ستحميها من أيدي اللصوص أيا تكن تصنيفاتهم، وليكونوا على استعداد تام لدفع التضحيات، وليكفَّ بعضهم عن مغازلة الغرب، لأن الأخير لن يقبلهم حتى يخلعوا كل ثوابتهم، وعندها سيخسرون كل شيء.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة