صحّة الثورة!!
الصّحة نعمة عظيمة جليلة لا يشعر بفضلها الإنسان إلا عندما يكتوي بلهيب فقدانها، فكما قيل: "وبضدّها تتميّز الأشياءُ". ولقد نبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه النعمة حاثّاً على اغتنامها بقوله: (نِعْمَتان مَغْبونٌ فيهما كثيرٌ مِن النَّاس: الصّحةُ، والفراغُ) [البخاري]. وكذلك قيل فيها: الصّحة تاج على رؤوس الأصحّاء، لا يراها إلا المرضى.
وما دفعني لاستحضار هذه المعاني أمران: أما الأول: فهو ما قد يصيب الإنسان أو من يلوذ به من فقدان مفاجئٍ لهذه الصحة كأن يُصاب بمرض أو يتعرض لحادث مفاجئٍ فينتقل بلحظة واحدة من حال لحال، وما يترتب على ذلك من فقدان السيطرة على حياته "الروتينية" أو أشغاله ومهماته اليومية فينصب التركيز والجهد والوقت والمال على الخروج مما وقع فيه من ابتلاء بكل السبل المتاحة، وغالباً ما يحتاج مثل ذلك لإنفاق مال كثير، ووقت طويل، وقلق وجهد كبير، فكيف إذا رافق ذلك حالة ميؤوس منها أو ما شابه.
أما الأمر الثاني: فهو ما تقوم به الأنظمة القمعية الطاغوتية تجاه الثورات من ممارسات وحشية وهمجية من تقتيل ومجازر جماعية فضلاً عن التعذيب وتقطيع الأوصال والتشويه المتعمد والاغتصاب.. ولا شك أن كل ذلك الإجرام والهمجية والسادية يتجاوز حدود الإنسانية بل حدود البهيمية.
ولطالما تسأل الناس ونحن معهم عن الدوافع غير المفهومة لمن يقوم بمثل هذه الأعمال، ولا شك أن هذا يعود لحقد دفين وأمراض نفسية متجذّرة، إلا أن الدافع الأكبر هو ظنّ هؤلاء المجرمين أن من يوقعون عليه مثل هذا ستتعطل حياته وحياة من حوله وأنه سينشغل بذلك المصاب عن متابعة ثورته فضلاً عما ستلقي تلك الأفعال الوحشية من الترويع والرهبة في نفوس الشعب الحر الثائر، ولعل الأمر ينبغي أن يكون هكذا بمقارنة ومقاربة منطقية وواقعية لما يصيب الإنسان في حال المرض والمصيبة في الظروف العادية. أما مالم نكن نتخيله نحن ولا هم كيف أن هذه الممارسات زادت الثورة والثوار قوة وعزيمة وشكيمة، في معادلة لا يمكن إلا أن تكون من السنن الربانية المباركة بكل أبعادها.
أذكر حادثتين في هذا المضمار مدللاً على كلامي مما جعلني أكتب هذه الكلمات عن قناعة بعد معاينة. الحادثة الأولى: فتاة صغيرة في " باب تدمر" في سوريا الجريحة أُصيبت بشظية قنبلة مسمارية، فإذا بها والطبيب يخيط جراحها في حجرة منزلية متواضعة تدعو من صميم قلبها على الطاغية المستبد وأخيه المجرم وأركان نظامه بطريقة تجعل الإنسان الشديد يستصغر نفسه أمام براءة طفولتها وعفوية كلامها وعظيم فهمها للأمور.
أما الحادثة الثانية: فشاب في مدينة "حماة" أُصيب بثلاث رصاصات في تظاهرات سابقة، وفي مشهد مؤثر يكشف عن موضع الرصاصات في جسده ويقول: لن أتوقف عن التظاهر حتى يسقط الطاغية أو أنال الشهادة في سبيل الله.
أمام هذه المشاهد العملاقة نطمئن أن الثورة على رغم عظيم جراحها إلا أنها في صحة جيّدة وثبات وصبر واحتساب نسأل الله أن يديمها علينا وعليها إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن