مفارقات بين الثائر للحق والثائر للباطل
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى: "إن الثائر الحق من يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليبني الأمجاد"، وهذه عبارة نحن في مصر وثوراتنا العربية أحوج ما نكون قبل أي وقت مضي لفهمها وهضمها وتفعيلها في واقع أمة لو حددت ثورتها لله تعالى في مقاومة أربعة أشياء لنجحت نجاحًا منقطع النظير... وهذه الأربعة هي: الاستبداد السياسي، و الفساد المالي، و التحلل الأخلاقي، و التخلف الحضاري، وهي حزمة مثل الجزمة من فردتين فردة هي الاستبداد والفساد، وفردة هي التحلل والتخلف، والحق أنني كنت ولا زلت ثائرًا على هذه الأربعة حتى في أحلامي، فالرؤى عندي أغلبها ثورات على الباطل بأنواعه الأربعة، فإذا صحوت رأيتني كما قال الشاعر:
قالوا نزال فكنت أول نازل وعلام أركبه إذا لم أنزل
إنني أعشق الثورة للحق على الباطل، وللخير على الشر، وللعدل على الظلم، وللعمارة على التخريب، وللإنسان على الطغيان.
إن الثائر للحق لايغضب لنفسه ولا لحزبه ولا لجماعته بل للقيم والمبادئ والوطن، والثائر للباطل تضعف عنده القيم وينتصر للقمم، ويثور ويفور ويرغي ويزبد من أجل شخصه وحاجاته هو وفئته أو جماعته أو حزبه مهما أضر ذلك بالقيم والمثل والوطن، إن الثائر للحق يصطف مع غير المسلم لوكان الحق معه، والثائر للباطل لايصطف مع المسلم إن كان الباطل معه، الثائر للحق من القوّامين للحق ولو على الوالدين أو الأقربين، والثائر للباطل من القوّامين للظلم ولو أضر بالوالدين والأقربين، الثائر للحق ينصف خصمه في مكارمه ومحامده، والثائر للباطل ينتقص من خصمه حتى في مكارمه ومحامده، ويجيد تأويلها نحو سوء النية وخبث الطوية؛ وكأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور مما اختص الله به نفسه ولم يعطه لملك مقرب ولا نبي مرسل، الثائر للحق لا يثور وحده بل يثور مع الربانيين الكثر كما قال الله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146]، فلا يعتصم أو يثور إلا من خلال الشورى مع الأكثرية من ذوي الإخلاص لله تعالى والحمية الصادقة للوطن، والثائر للباطل عنده استعداد للخروج مع كل ناعق، ومخالفة الأغلبية ، والمهم "خالف تعرف" أو كما قال الشاعر العربي:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما يراد الفتى كيما يضر وينفع
الثورة للحق تحافظ على الحرث والنسل والحجر والشجر والمساجد والكنائس، والآثار والوثائق، والطرق والكباري، والبحار والأنهار، لأن الله تعالى قال: (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود:61]، وقال عن حفظ النفس: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32]، فلا يرضى أن يلغ في دماء الناس ولو أكره من قيادته العسكرية أو الشرطية أو رؤساء عصابات البلطجية، ولا يلقى الله بحبس هرة فيدخل بها النار كما جاء في الحديث الصحيح، ولا يكسر غصن شجرة، بل لو قامت القيامة وفي يده فسيلة فسوف يغرسها رجاء ثواب اتباع الأمر النبوي الشريف، والثائر للباطل لايبالي بالأرواح ولو سالت الدماء على يديه بل يستعذب تعذيب الناس، ويطرب للتكسير والتحريق والتدمير ولو كان في هذا هدم بيته هو، وشقائه في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ) [البقرة:204-] وهؤلاء الذين دبروا موقعة الجمل في التحرير وصوّبوا على رؤوس الناس وصدورهم أثناء الثورة وفي "ماسبيرو" و"محمد محمود" ومجلس الوزراء وبور سعيد و....... من الثوار للباطل المكابرين في الشر، الكارهين لمصر، المفعمين بوهم عودة النظام البائد، الراغبين في إعادة عقارب الساعة للوراء، والتاريخ القهقرى، ودم الشهداء يصير هدراً، ولكن هيهات فقد تم هذا التلبيس والتدليس والمكر بالليل والنهار، والكر والفر كل شهر مرة أو مرتين، ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون، وظل الشعب مع دعاة الثورة بالحق في انتخابات النقابات ومجلس الشعب والشورى والدستورأولا و.....، ولذا أنصح فئتين بأن ينتبهوا أن يجرهم الثائرون للباطل وهما: دعاة العصيان المدني ولم ينجح بفضل الله لأن مصر تستحق منا بعد استردادها من يد الغاصبين أن نبنيها طوبة طوبة وشبر شبر و"زنقة زنقة"، وأن نزرع في كل شبر شجرة تزهر وتثمر وتظلل، لا أن نعتصم عن العمل بل نتطوع لمصرنا بساعات زائدة للعمل، أما الفئة الثانية فهم أصحاب المطالب الفئوية حيث تحاول الحكومات المتوالية أن تحلها من القروض الربوية والصكوك المحرمة شرعًا فتسكن الألم ليفوق الشعب على سرطان الاقتصاد وهي الفوائد التي تمحق كل خير.
نريد أن نثور على الاستبداد والفساد والتحلل والتخلف، ونهدأ لنفكر ونخطط ونبتكر ونصنع ونزرع ونصدر وآنئذ ستعود مصرنا ودولنا العربية والإسلامية قادة العالم بلا منازع . وهو قادم لكن السنن الربانية تقضي بأن الزمن جزء من العلاج فلا نستعجل شيئًا قبل أوانه فنعاقب بحرمانه.
صدقت ياشيخنا الشعراوي في قولك: "إن الثائر الحق من يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليبني الأمجاد" فإلى العمل بالليل والنهار لنصنع الأمجاد بعد الهدوء الذي يتيح لنا فرصة التقاط الأنفاس للتفكير في صناعة المستقبل وليس علاج الأزمات.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن