رسالة إلى الإخوان المسلمين
اعتدت في حديثي لأبناء الحركة الإسلامية أن أوجِّه خطابًا عامًّا يشمل الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية وغيرهم من الشرفاء الذين يحملون همَّ هذا الدين، ويسعون -مهما تعددت وسائلهم، أو اختلفت طرقهم- إلى نشر هذا الخير العظيم الذي يحملونه، مهما كلفهم هذا من مشاق، ومهما تعرضوا في سبيل ذلك إلى أذى..
ولكني في هذه الرسالة أتوجه بحديثي إلى الإخوان المسلمين تحديدًا؛ لأنني أرى أنه في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ الأمة قد تجمَّع أهل الباطل والفسق والفساد على جماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، وإن كان الطعن واللمز في دين الإسلام بشكل عام، وكذلك في كل التيارات الداعية له ما زال مستمرًّا ولكن بشكل أقل نسبيًّا.
لقد رأينا جميعًا هذه الهجمة الشرسة منذ صعد الدكتور محمد مرسي -حفظه الله- إلى كرسي الحكم، فحدث للكارهين للمشروع الإسلامي لوثة قادتهم إلى سباب وشتائم، وكذب وتدليس، وضرب وقتل، وحرق مقرات وسرقة ممتلكات.. وتحالف في ذلك أهل الفساد من الداخل والخارج، وتواطأ على ذلك سياسيون وإعلاميون، ورجال مال وفلول، ومشتاقون إلى الرئاسة ومجرمون.
رسالتي إلى الإخوان المسلمين
ومن ثَمّ وجب في هذه الظروف أن أوجِّه هذه الرسالة إلى الإخوان المسلمين جميعًا..
أولاً:
لقد رأيتم نصر الله عز وجل في مواطن كثيرة من تاريخكم وواقعكم، وإن الكوارث التي أصابتكم على مرِّ التاريخ كانت كفيلة -بحسابات البشر- أن تستأصلكم من جذوركم، ولكنَّ الله عز وجل أخرجكم من هذه الكوارث أقوى مما كنتم، وأعلى قدرًا مما حلمتم، وما ذلك إلا بصدق نواياكم، ونقاء سريرتكم، وحسن توجهكم إلى الله، ورغبتكم الأكيدة في نصرة دينه، وإعزاز شرعه..
فابقوا على هذه الحالة مع الله، يرفع الله عز وجل قدركم أكثر وأكثر، وتقرَّبوا منه سبحانه وتعالى يتقرب منكم، وانصروه ينصركم، وازدادوا تمسكًا بالقرآن والسُّنَّة، ولا تتنازلوا عن ثوابتكم، وأعلنوها صريحة واضحة أنكم ما قمتم بكل ما قمتم به من جهد إلا إرضاءً لرب السماوات والأرض، وطلبًا لجنته.. فعندها يُنزِل عليكم بركات من السماوات والأرض، ويرزقكم من حيث لا تحتسبون.
ثانيًا:
وحِّدوا صفكم، وشدوا من أزر بعضكم البعض، ولا تتفرقوا أبدًا؛ فإنَّ يد الله مع الجماعة.. لقد لعبت أضواء السياسة والدنيا ببعضنا أحيانًا، فتنازعنا وتفرقنا، فلا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا.. لقد كان أحد أكبر أسباب قوتكم أنكم كنتم دومًا يدًا واحدة أذهلت القريب والبعيد، وما استطاع أحد أن يخترق صفكم المحكم، وكانت قلوب بعضكم شفيقة على إخوانها، رفيقة برفقاء دربها..
فحافظوا على هذه الحالة التي يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. ابحثوا عن إخوانكم الذين تركوا الصف في هذين العامين الأخيرين، سواء في أحزاب أخرى، أو دون انتماء لحزب أو اتجاه.. افتحوا لهم صدوركم.. تنازلوا لهم من حقكم.. ابسطوا لهم وجوهكم.. لا تُذَكِّروهم بأيامٍ تركوكم فيها، أو انتقدوا أقوالكم وأفعالكم فيها.. ليعفَّ كل واحد منا عن صاحبه، وليضع يده في يده، وليتقرب إلى الله بحبِّ إخوانه، فهذا كله أدعى لنصركم، وأرضى لربكم.
ثالثًا:
لا تَهُولنَّكم كثرة الضربات الآن واشتدادها، ولا يهولنكم تجمُّع المجرمين بشتى توجهاتهم عليكم؛ فإنَّ هذه علامة قوتكم، ودليل تفوقكم؛ فإن هؤلاء المفسدين ما كانوا ليجتمعون لولا أنهم يرون أنفسهم أضعف منكم، وما كانوا يتعاملون بمثل هذه العصبية إلا لأنهم يرون الدولة لكم، والأيام القادمة معكم، ويرون أيضًا أن الشعب يحبكم، ويضع ثقته فيكم، فيزداد المجرمون بذلك خزيًا وذلاًّ، وينتابهم ما ترونه من رعونة وهياج.
رابعًا:
ثقوا في قيادتكم التي اخترتموها بأنفسكم.. لقد دبَّر الله عز وجل لهذه الجماعة أمرها، فعرفت الشورى في زمن اختفى فيه هذا الأصل من حياة الناس، فأخذت به في قراراتها ومواقفها، واختارت به زعماءها وقادتها، وهذه الشورى تقودها إلى كل خير، وتهديها إلى كل رشد..
الآن في ظل الإعلام المضلل، وكذلك في ظل الأحداث المتسارعة، تتباين الآراء بشكل كبير، وأحسب أننا لو أخذنا رأي عشرة في مسألة واحدة لسمعنا عشرة آراء! فما المخرج من هذا المنحدر؟!
إن الرأي الذي يختاره قادتكم إنما يكون بناءً على معلومات كثيرة قد لا يتوفر لكم معشارها، وبالتالي يختارون أمرًا قد ترونه من وجهة نظركم غريبًا أو خاطئًا، فإذا علمتم ما يعلمون فلعلكم تختارون رأيهم، بل تكونون من أشد المتحمسين له. وليس في كل الأحوال يمكن طرح الأمر بكل أبعاده ومعلوماته على جميع الأفراد، فقد يكون الحدث سريعًا جدًّا، وقد تكون المعلومات خطيرة، وليس كل ما يُعرف يقال.
والأهم من ذلك أن هذا الرأي اختاره القادة بشورى، وفيها بركة إن شاء الله، ولو جاءت الشورى على عكس ما تريد فلا يضرك أن تعمل بها، بل أنت مأمور أن تعمل بها، وقد عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشورى كثيرًا مع أنها كانت تأتي أحيانًا على خلاف رأيه. ونحسب أن إخوانكم من أبعد الناس عن الحرام، فلن يأمروكم بشيء يُغضب الله عز وجل، ولتلتمسوا لهم الأعذار إن أخطئوا يومًا، فإنهم بشر غير معصومين، ولا تبخلوا عليهم بالنصح والرأي فإنهم أحوج ما يكونون إلى رأيكم، وذبُّوا عن أعراضهم، ودافعوا عنهم؛ فإنهم في مكان وُضعوا فيه دون رغبتهم، بل دفعتموهم أنتم إليه، واخترتموهم أنتم فيه، فكونوا أعوانهم على الخير، يصلح لكم ربكم أعمالكم جميعًا.
خامسًا:
تقربوا من إخوانكم في العمل الإسلامي من شتى التيارات والاتجاهات، وأخص السلفيين بالذكر، فهم أقرب الناس إليكم مهما تخيَّل البعض أن البون شاسع بينكم.. إنكم أصحاب عقيدة واحدة، وغاية واحدة، وسبيل واحد..
والله لو وُضعت الفرقة بينكم وبينهم لتأخر النصر كثيرًا، ولضاعت الهيبة طويلاً.. ضعوا أيديكم في أيديهم.. إنهم يحملون قلوبًا نقية، وعندهم للدين حميَّة، ويحرصون على سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقتفون آثار سلفنا الصالح، وتتوق نفوسهم إلى ما تتوق نفوسكم إليه.. إنهم يريدون ما تريدون.. عزَّة في الدنيا وعزة في الآخرة.. سعادة في الدنيا وسعادة في الآخرة..
آن الأوان أن تذوب الفوارق، وأن تتجمع القوى.. الظرف مناسب، والحاجة ماسَّة، وتقارب الصف الإسلامي بشتى أطيافه غاية في حد ذاتها، فضعوا البرامج لذلك، واجتهدوا في هذا الطريق جهد طاقتكم؛ فإنهم أبقى لكم من أهل الأرض جميعًا.
سادسًا:
اختار الله عز وجل أن يكون موطن عملكم هذا البلد العظيم.. مصر.. وما استمدت عظمتها إلا من قيمة شعبها عند الله عز وجل، وعند رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.. قد ذكرها الله تعالى في قرآنه وما ذكر دولة غيرها، وأوصى بأهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا فقال للمؤمنين جميعًا: «فَأَحْسِنُوا إلى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا».
وهذا الشعب المصري طيب وأصيل، وفطرته نقية، وأخلاقه سهلة دمثة، وروحه خفيفة مرحة.. غير أن الظلم ترسَّخ في بلاده أعوامًا طويلة فأخرج بعضهم عن طبيعته، وكذلك فقد تم تجهيله ومحو ذاكرته عن طريق الإعلام الفاسد، والتعليم المهترئ، فخالف بعضهم فطرته النقية، وصار معاديًا للفكرة الإسلامية البدهيَّة.
أقول لكم أيها الإخوان الصادقون.. ترفقوا بشعبكم ومُدُّوا له أيديكم، وربِّتوا على أكتافهم، وقفوا إلى جوارهم في محنتهم، وتحملوا الأذى الذي يأتيكم من بعضهم؛ فإن الأيام ستمر سريعًا، ويظهر الحق، ويكتشف الشعب قيمتكم، وعندها سيسعدون بكم وتسعدون بهم.
سابعًا:
ستجدون الحرب عليكم قد داست على كل خُلُق حميد، وتنكرت لكل عُرف شريف، فلا يجرنَّكم هذا السلوك المشين إلى محاكاته أو إلى المعاملة بالمثل.. لا تنحدروا بأخلاقكم أبدًا إلى مستوى أخلاق السفهاء الذين يحاربونكم.. حافظوا على نقاء ألسنتكم، وإياكم والفحش، وتجنبوا الغيبة والنميمة، وحذار ثم حذار من الكذب، وضعوا نُصب أعينكم أن دعوة الإسلام جاءت لإتمام الأخلاق، فإذا أدركتم ذلك وطبَّقتموه، فقد فزتم برضا الله عز وجل ورضوانه.
ثامنًا:
اعلموا أن طريق الدعوات مليء بالابتلاءات، وأن المرء يُبتلى على حسب دينه، فإن كان في دينه قوة شُدِّد عليه في الابتلاء، وإن كان في دينه رقَّة خُفِّف له فيه.. فلا تحزنوا من رؤية المحن، أو من تلقِّي الصدمات، فهذا أمر طبيعي، بل هو علامة صدق، ودليل إيمان.. ولا تحزنوا أبدًا على فَقْد الشهداء؛ فإنَّ هذه مصارع أخياركم، وإن هذا اصطفاء ربكم، وإن هذه أُمنية نبيكم؛ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ».
وليس بالضرورة أن يكون الشهداء قد سقطوا نتيجة أخطاء، فشهداؤنا رأيناهم في بدر والأحزاب وغيرهما من مواقع الانتصار، فلا داعي لجلد الذات، ولا مانع من مراجعة الأحداث، والبحث عن الثغرات، ولكن بنفسٍ راضية مطمئنة، بل وسعيدة مغتبطة. ووالله إنه لفخر كبير لهذه الجماعة الأصيلة أن تحفر أسماء أبنائها -منذ نشأتها وحتى الآن- في تاريخ الأمة، بالدماء لا بالمداد، وبالأرواح لا بالكلام.
تاسعًا:
أخرجوا الدنيا من قلوبكم؛ فإن الأيام القادمة قد تحمل تمكينًا يعطي بعضكم مراكز قيادة، ومواضع سلطة، بل إننا قد شاهدنا هذا مع بعضنا، فاعلموا أن هذا كله زائل، وأن متاع الدنيا قليل، وأن الذي يلي أمور الناس أقرب للفتنة من أخيه، فلا تتسابقوا في هذا المضمار، واعلموا أن الله يحب من عباده الأتقياء الأخفياء..
فمن اختاره الله ليكون قائدًا فادعوا له بالثبات، ومن اختاره الله ليكون جنديًّا فليحمد ربه على نعمته وفضله، فرُبَّ أشعث أغبر لا يُؤبه له لو أقسم على الله لأبرَّه، واعلموا أن أهل الأرض ينظرون إليكم فلا تفتنوا الناس فيكم، وكونوا دعاة إلى الإسلام بأعمالكم قبل أقوالكم، واعلموا أن ما تبقَّى من عمر الدنيا قليل، فلا تنشغلوا بها عن آخرتكم.
عاشرًا:
زادُكم أيها الإخوان في قُربكم من الله عز وجل.. إنَّ الذي سينفعكم في هذه الأيام هو طول القيام بين يدي الرحمن سبحانه وتعالى فأكثروا منه، ولا تقبلوا بركعتين خفيفتين كما اعتاد البعض أن يقول؛ فإنَّ حَمَلَة الدعوة، وبُنَاة الأمة لا يكفيهم هذا، فاستيقظوا قبل الفجر بساعتين، واستمتعوا بلقاء ربكم، واطلبوا منه ما أردتم؛ فإنه تعالى يتنزل إلى السماء الدنيا في هذه اللحظات..
ولا تنقصوا أبدًا من وردكم القرآني.. وليكن زادكم منه جزءًا على الأقل يوميًّا، وحافظوا على صلواتكم في مساجدكم، ولا تزال ألسنتكم رطبة بذكر الله تعالى، وأكثروا من الاستغفار، وارفعوا أيديكم دومًا إلى ربكم بالدعاء.
واحرصوا على مجالس العلم، واقرءوا سُنَّة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وادرسوا شريعتكم وعظِّموها ووقِّروها، ولا تتكلموا في أمور الدين إلا بدليل، واجلسوا تحت أقدام العلماء، واستفيدوا من عِلْم الراسخين في العلم من الإخوان والسلفيين والأزهريين وغيرهم، وانشروا العلم في بلادكم، بل وفي الدنيا؛ فإن أساس بناء هذه الأمة هو العلم.
هذه هي وصيتي العاشرة.. فتلك عشرة كاملة.
أيها الإخوان الصادقون.. أخلصوا نياتكم لله عز وجل، فإنَّه مُطَّلع على قلوبكم، وتوشك الأيام أن تمر، فتتخلصوا من عناء الدنيا، وتسعدوا بصحبة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فاصبروا وصابروا ورابطوا، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة