الأندلس... حضارتنا الأسيرة
كثيرة هي الأحداث المزلزلة التي مرّت في تاريخنا المجيد من انتصارات هائلة عظيمة وتبدُّل الدول والحكّام، ويبقى انحسار الإسلام عن أرضه من أشد هذه الأحداث إيلاماً، وتترك آثارها العميقة في ذاكرة التاريخ، ولا ريب أن انحسار المَدّ الإسلامي عن الأندلس أحدث وقعاً هائلاً، وخلّفَ جُرحاً غائراً، فهو إبادة شعبٍ بل أمة وتاريخ وحضارة ... وما زال النزف الأندلسي جارياً...
في ذكرى سقوط الأندلس نتذكر أرضاً غِبنا عنها زمناً، ضيّعناها بالتشرذم والفُرقة. إنها ربيعنا المنسيّ، وفُقدانها من أعظم دروس التاريخ لنا، فانفراط العقد الأندلسي حَدَثُ جلَلٌ ليس على الإسلام ومكوناته فيها من عرب وبربر فحسب، بل على التاريخ الإنساني جملةً لما للأندلس من دورٍ ريادي في نشر العلم والفنّ وإكمال بناء صرح الحضارة الإسلامية بشقّه الغربيّ بعد تشييد صنوِه في الشرق، نهضة في العمران والفنّ والعلوم والآداب، حضارة ألْقَتْ بظلال عِزّها على جاراتها، وما أوروبا إلاّ تلميذةُ من تلامذتها...
في ذكرى سقوط الأندلس تلمع بيارقُ الجهاد في أفق الذاكرة ... فنرى "السمح بن مالك" الذي عرفته جنوب فرنسا مجاهداً ناشراً للإسلام فلم تقبل "تولوز" إلاّ احتضانه شهيداً على رُباها، ونلمح "الغافقي" الذي أراد فتح أوروبا فسقى ثرى "بواتيه" بدماه، ونجد "صقر قريش الداخل" الذي أعاد للأمويين صولتهم ودولتهم بالغرب بعد أفولها في الشرق، وما لنا إلاالتوقف عند "المنصور بن أبي عامر" ذلك المجاهد الفذّ الذي سيّر الجيوش العظيمة لنجدة ثلاث نسوة من المُسْلِمات... هم نماذج لشخصيات رائدة مرّت في الأندلس وقدّمت الغالي والنفيس لتبقي راية الإسلام فيها عالية خفّاقة...
في ذكرى سقوط الأندلس نمُرّ على أطلال مجدنا علّها تخبرنا عمّا شيّدت أيادينا من صروح، وكم سكب مسجد قرطبة من دموع المرارة والاشتياق مُذْ هجرناه وهو يئنّ تحت وطأة التبديل والتحريف، كم من عالِم نشأ في "إشبيلية وسَرَقُسْطة"... كم من مجاهد خرج من "غِرناطة وطُليْطِلة"...
في ذكرى سقوط الأندلس تئنّ الشام وتتألم فلسطين والأندلس في غرب أوروبة تحنّ لدولة الإسلام، فهل نعود للريادة بعد ربيع الأمّة؟....
وفي هذه الذكرى الأليمة ضجّت جنبات وسائل التواصل الاجتماعي في يوم الثاني من الشهر الأول من العام الميلادي الجديد بحملة زينت منشوراتها برمز مُلفت "521" وترمز للسنين التي مرت والأندلس أسيرة بعيدة عن أخواتها، وهذا أقلّ الوفاء حتى لا نخسر الأندلس من قلوبنا وعقولنا أيضاً، والشكر للكل من ساهم وعمل على إحياء القضية الأندلسية التي أبت الذُّبول وظلّت مقاومةً للنّسيان... وخَرجَت إلينا في الألفية الجديدة بهذا الثوب الأندلسي الموشّح بالثقافة والفهم المستند إلى ربيع الحاضر متواصلاً مع ربيع الماضي....
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة