بين الأشرفية وعرسال
حلّت قبل أيام ذكرى أحداث 5 شباط 2006 المؤسفة، التي شهدتها منطقة الأشرفية. أحداث لم تخلّف جريحاً واحداً، لكن البعض اعتبرها اجتياحاً وانقضاضاً على المسيحيين. يومها، وتناغماً مع الحملة السياسية والإعلامية المسعورة التي شنّها البعض خدمة لأهدافه الصغيرة، نفّذت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات الشبان المراهقين الذين شاركوا في التظاهرة نصرة للنبي الأكرم واستنكاراً للرسوم المسيئة إليه.
يومها، ورغم أن الدعوة للتظاهر وُجّهت من على منابر المساجد باسم مفتي الجمهورية، إلا أن الجميع تنصل من المظاهرة بعد وقوعها. فكانت الإساءة باتجاهيْن: إساءة لأبناء منطقة الأشرفية جراء الاعتداء الذي تعرضوا له من شركائهم في الوطن، وإساءة للشبان الذين استجابوا لنداء نصرة الرسول الأكرم، فوجدوا أنفسهم في السجون دون من يسأل عنهم، أو يدافع عنهم، أو يعلن تضامنه معهم.
بعد أسابيع من التوقيف والتحقيق في زنازين الأجهزة الأمنية، عُرض المتهمون أمام المحكمة العسكرية، وكنتُ شاهداً على الاستجوابات، حيث تبيّن أن «جُرم» معظم من تمّ توقيفهم هو اعتلاء ظهر سيارة الإطفاء التي قدِمت إلى المكان لإطفاء حرايق. وكان واضحاً أن الأجهزة الأمنية حارَت في تعويض تقصيرها جمع المعلومات، فلم يكن أمامها سوى التمحيص في الصور التي نشرتها وسائل الإعلام وتوقيف كل من ظهر فيها، سواء كان مشتركاً في الأحداث أو متفرجاً عليها، أو مستنكراً لها أو محاولاً وقفها.
شكل الحادث فرصة للبعض للانقضاض على المسلمين الملتزمين في هذا البلد، وتشويه صورتهم وإظهارهم كقطّاع طرق، من خلال التركيز على الإساءة التي ارتكبها شبان، الله أعلم من أين جاؤوا، متغافلين عن آلاف المشاركين الذين رفعوا رايات الاستنكار لما تعرض له الرسول الأكرم.
السيناريو الذي شهدناه قبل سبع سنوات في الأشرفية، نشهده اليوم في عرسال. أبناء بلدة آمنة يعضّون على الجرح، يتحمّلون حملة من الافتراءات والأكاذيب تناولتهم في مختلف وسائل الإعلام بقيادة بعض القوى السياسية، التي تريد استغلال ما حصل لتشويه صورة خصومها السياسيين علّ ذلك يعزّز مواقعها الانتخابية، دون النظر إلى مخاطر دفع المؤسسة العسكرية للتصادم مع أبناء شعبها. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، سعت هذه القوى لنشر معلومات كاذبة ومضلّلة، تعزف على وتر الشحن الطائفي والمذهبي، وتحاول إثارة قيادة الجيش، والمطالبة بالاقتصاص من «المجرمين» الذين شاركوا في الاعتداء على دورية مخابرات الجيش، بعدما أجهزت الأخيرة على المطلوب «عالمياً» خالد الحميد واختطفت جثمانه!
قيادة الجيش «أم الصبي»، ضاقت ذرعاً بحملة التشويه والأكاذيب التي نشرتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتحريض على أبناء عرسال. وقد انتظرت أن يعود القوم إلى رشدهم، وأن يتوقفوا عن نسج قصص «ألف ليلة وليلة»، إلا أن الاستمرار في نهج الكذب والافتراء اضطر قائد الجيش شخصياً لنفي الكثير من هذه الأقاويل، ودحض الحكايات التي تُروى.
وكما شعر الشبان المعتقلون باليُتم، ينتاب أبناء عرسال اليوم الشعور نفسه. فالبلدة كانت تقوم بفرض الكفاية والدفاع عن جميع الشرفاء في هذا البلد، بدعم ومساندة ونصرة الثورة السورية، واستقبال آلاف النازحين السوريين، وهم يشعرون اليوم بأنهم يدفعون ضريبة هذا الشرف من جانب حلفاء النظام السوري في لبنان، دون أن يجدوا ناصراً من الضفة الأخرى، فيفتقدون من يدافع عنهم، أو يبرز وجهة نظرهم مما حصل. يتحمّلون بغصّة الحصار الذي يفرضه الجيش اللبناني على بلدتهم من ثلاث جهات، والنظام السوري من الجهة الرابعة. لا يريدون التنصل مما حصل وإن كانت لديهم مبررات كثيرة له، جلّ ما يطالبون به هو إجراء تحقيق جدّي لكشف ملابسات الحادث بعيداً عن الخطوط الحمراء، ينتهي إلى اتهام المتورّطين والمسؤولين، وإجراء محاكمات عادلة.
نشهد هذه الأيام نشاطاً قضائياً غير اعتيادي في إجراءات محاكمة الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية. ومن المأمول أن يُسفر هذا النشاط عن إخلاء سبيل عدد منهم، بعد ظهور براءتهم أو توقيفهم لسنوات تفوق المدة التي حوكموا بها. الخوف كل الخوف أن يتم استبدال المُخلى سبيلهم بآخرين يتمّ توقيفهم على خلفية أحداث عرسال، فيقبعوا في السجن سنوات دون محاكمة. بعد ذلك تستغربون لماذا يحاول الموقوفون الإسلاميون الهرب من سجن رومية؟!.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن