صديقتنا... وصديقتهم
قالت صديقتنا: أحاول أن أمنع عنكم بردا وأحميكم قيظا.. لكني عاجزة! سامحوني، فهذا كل جهدي!
وقالت صديقتهم: هيا يا أحبابي، تهيأت لكم: للَعِبكم وسمركم وضحككم ومتعتكم.
قالت صديقتنا متعجبة: وهل نحن للعب والضحك وما تقولين؟
قالت صديقتهم: نعم، أنا أعددت من أجل ذلك! أصدقائي يملّون من بيوتهم ومنازلهم وقصورهم، ويشتاقون لحياة البساطة فيزوروني ويقضون أوقاتاً في ربوعي.
قالت صديقتنا: في ربوعك؟ وكم تبلغين طولا وعرضا؟
قالت صديقتهم: الشيء الكثير، ليتمكنوا من ممارسة كل الأنشطة، فيشاهدون التلفاز ويلعبون الألعاب ويرقصون ويتناولون ما لذّ وطاب من اللحوم والحلويات والمثلجات والعصير والفواكه وغير ذلك...
ألم تسمعي أني عشق وهوى الزعماء؟ ومجتمع المتسحرين في رمضان؟ وملتقى الأهل والخلّان في الأعياد والمناسبات السارة؟ ألم تسعي عن المقبور القذافي واستقباله لضيوفه تحت سقفي؟
قالت صديقتنا: عجيب ما أسمع! أنا أعرف أنّا أُعددنا للطوارئ: لمن شرّدهم المحتل والحاكم الظالم، ولمن هدم بيتهم زلزال أو إعصار.. وللبدو في الصحراء! أمّا أن نكون للترف؟ فهذا من أغرب ما سمعت!
قالت صديقتهم في تعالٍ واضح: إنك متخلفة وقديمة جدا! وفقيرة وأصدقاؤك فقراء تعساء مثلك!
قالت صديقتنا: لكن أهدافي نبيلة وأعمالي عظيمة، ألم تسمعي أني آويت الفلسطينيين قديما وحديثا؟ ألم تسمعي أني كنت لهم منزلاً وملاذاً وستراً، بل ومدرسة لجميع المراحل؟ ألم تقرئي في تاريخي كيف احتضنتهم في مرج الزهور فصنعوا مني مأوى ومناماً وجامعة ومركزاً للدورات ومستشفى وغرفة عمليات؟
ألم تسمعي أني آويت السوريين اللاجئين والنازحين في المخيمات المنتشرة داخل سوريا وخارجها في كل الحدود؟ ألم تري الصوماليين يبحثون عن مُحسن يهديني لهم ومن حصل عليّ يسعد بي أكثر من سعادة أصحابك بقصورهم؟
أنا التي تحتضن المشردين واللاجئين.. تؤمّنهم وتمسح دمعتهم وتجمعهم وتقدّم لهم الأمل بالعودة لمنازلهم وقراهم ومدنهم.. أنا التي تجعل من سقفها لهم غطاء ومن أرضها فرشاً وإيواء.. أنا التي تقدّمني المؤسسات والهيئات مساعدة منهم وصدقات، فأصبحت عنواناً للرحمة والخير!
قالت صديقتهم: ماذا تقولين أيتها المغفّلة؟ بل أنت عنوان للقهر والحرمان والبؤس والتشرد! وأنا بكل فخر عنوان الرفاهية والعز والثراء..
ثم إياك أن تظني أننا متساويتان في الفخامة والرقي والثمن! أنت رخيصة حقيرة وأنا باهظة الثمن! لا أدري لماذا سمّوك خيمة! كان عليهم أن يسموك خرقة أو... أو أي شيء لا يشبهني.
قالت صديقتنا: أيتها المغرورة! يغادرني أحبابي إلى أوطانهم وقد قاتلوا وحاربوا وناضلوا وصبروا.. يغادروني ولا يحملون في ذاكرتهم عني سوى أني كنت جسرا للوصول إلى المعاني الجميلة التي ينشدون: العيش بحرية وكرامة! يغادروني ويتذكرون أني كنت مجرد مرحلة مؤقتة يمضونها بحلوها ومرّها ليعيشوا بعدها مرحلة النصر والعزة.
قالت صديقتهم: بحلوها ومرّها؟ وأين الحلو عندك؟
قالت صديقتي منتصرة: عندما أجمع الأحباب فيواسي بعضهم بعضا ويؤازر بعضهم بعضا ويتصبرون ويتضرعون إلى الله أن يأتي بالفرج.. عندما يرحلون عني وقد أعطاهم الله المزيد من تجارب الصلابة والشجاعة والمزيد من الإصرار على النجاح أليس هذا وذاك تقرّباً من الله؟ وهل هناك أجمل من هذا القرب؟ إنه إحساس عميق حنون ودود لا يمكن لأمثالك أن يفهموه!
ومثلك أيضا لن تسمع أحبابي يتسامرون وينشدون ويضحكون ويمارسون حتى مواهبهم.. إنهم بمهارة ينحتون على حواجز القهر والظلم لحظات حقيقية من السعادة..
قالت خيمتهم: سئمت من الجدل مع عائلة مستكبرة مثلك.. ابحثي عن فقرائك الذين بك يستنجدون! انظريهم، أرتالهم لا تتوقف!
وقالت خيمتنا: سنتفابل ثانية لأخبرك أني بقيت وحدي شاهدا على قصة المكافحين الأبطال، بينما بقيتِ يا محرومة شاهداً على دورك التافه في التسلية والتسلية والتسلية دون تحقيق شيء مهم وسط هذه التسالي!
بالمناسبة! ليتك تخبرين أصدقاءك أن ما يجري في سوريا حقيقي وليس فيلماً يمثّل! وأنّ خيام المعتقلين في صحراء النقب تحتها رجال حقيقيون، وأن المشرّدين من بورما ومن الصومال والمقيمين في خيام مؤقتة دامت سنوات وسنوات، هم أيضا حقيقيون ليسوا رسوما متحركة!!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن