ثقافة الإنجاز
في العالم سباق محموم مجلجل تارة وصامت تارة أخرى، وهو سباق حول الاستحواذ على الأسواق وكسب الزبائن من أجل المزيد والمزيد من المال ... والحقيقة أن التركيبة الحالية لأسواق المال والأعمال وحركة الاستهلاك والإنتاج لا تسمح لأحد في أن يظل واقفاً على قدميه ما لم يستخدم كل ذكائه وكل جهده ووقته وأحياناً كل مكره ودهائه وخبثه .... ومع أن من حق كل واحد منا أن يستنكر الوضعية الراهنة، إلا أن فائدة ذلك شبه معدومة، ومن هنا فإنه ـ على المدى القصير ـ ليس أمام الواحد منا سوى التكيف والعمل حسب متطلبات السوق وفي إطار من مبادئه وقيمه .
اليوم كل الشركات والمؤسسات وكل دوائر التوظيف تسعى إلى شيئين مهمين: تحسين ما تقدمه من سلع وخدمات ومخرجات وتخفيض قيمة التكلفة. وإن النجاح في هذين الأمرين هو شرط البقاء في السوق، والبقاء في السوق هو شرط الاستمرار وعدم الوقوع في الإفلاس، فما مفردات ثقافة الإنجاز التي ينبغي أن يتثقف بها الجيل الجديد اليوم حتى يعيش الحياة السوية اللائقة؟
1- امتلاك دافعية قوية للنجاح حيث إن المطلوب اليوم ليس تحقيق بعض النتائج، وإنما تحقيق نتائج ممتازة.
وإن من الملاحظ أن كثيراً من الشباب اليوم لا يستهدف في أعماله النجاح والتفوق، وإنما يعمل وفي ذهنه تجنب الفشل أو الطرد من العمل .من المهم أن ندرك أننا ما دمنا نعمل في سياق منافسة مشتعلة، فإنه لا يكفي أن تكون إنجازاتنا ممتازة، بل لا بد أن تتفوق على إنجازات معظم منافسينا، وإلا تحول النجاح إلى فشل ذريع، أنا أعرف أن المنافسة مقترنة دائماً بشيء من انحطاط المدنية، لكن المشكل أن نتائج عدم الدخول في المنافسات السائدة تكون في الغالب كارثية!
2- السعي المستمر إلى تخفيض تكاليف المنتج، وهذا كما ينطبق على المصانع والشركات ينطبق كذلك على الأفراد، والهدف من ذلك هو النجاح في المنافسة من خلال البيع بأسعار أقل مما يعني اجتذاب المزيد من الزبائن، وهذا واضح بالنسبة إلى السلع، أما بالنسبة إلى الأفراد فإن خفض التكاليف يعني توفير الوقت والجهد من أجل الراحة وإتاحة الفرصة للممارسة النشاط الاجتماعي وصلة الأرحام وغير ذلك، وهكذا فإن الطالب الذي يذاكر دروسه ويكتب بحوثه بطريقة جيدة وحديثه يوفر بعض الوقت من أجل القيام بالعديد من الأعمال النافعة ...
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن تخفيض التكاليف يتطلب دائماً (مقاومة الهدر) هدر الوقت وهدر المواد المستخدمة وهدر الجهد، وهذا يعني العمل على تحسين أساليب العمل والإنتاج بصورة دائمة .
أنا شخصياً لا أعرف ناجحاً لا يهتم بالاستفادة من وقته ولا يهتم بتطوير أدائه.
3- تتطلب ثقافة الإنجاز من الواحد منا أن يجاهد نفسه من أجل التغلب على الضجر والملل والتعب، ومن الثابت أن العمل ضمن فريق يقضي على كثير من الملل، ولكن يجب أن نحذر من هدر الأوقات في التحدث عن أمور جانبية لا تتصل بالعمل، كما أن من الواضح أن التوقف عن العمل كل ثلاث أو أربع ساعات مدة نصف ساعة يجدد العزيمة وينشط الحوافز الداخلية، وقد قيل : إن في إمكان كتيبة عسكرية أن تمشي في اليوم عشر ساعات إذا استراحت كل ساعة عشر دقائق .
4- الشخص المنجز يقاوم الرتابة، كما يقاوم الميل إلى العمل في الحيز الآمن، إنه يخاطر المخاطرة المعتدلة والمحسوبة ، وقد ثبت أن النتائج العظيمة للعمل في أي مجال تظل مقرونة بدرجة من المخاطرة ،وتجد هذا واضحاً في الفرق بين الربا والتجارة، فالمال الذي يوضع في البنوك تكون عائداته ـ مع حرمتها في كثير من الأحيان ـ ضئيلة، على حين أن المال المستخدم في التجارة قد يتضاعف في السنة مرات عديدة، والفرق هو المخاطرة في التجارة وانعدامها في الربا .
5- الميل إلى إنجاز الأشياء الصعبة والمثابرة في العمل من أخلاقيات وعادات الأشخاص ذوي الإنجاز العالي . إن من المؤسف أن المدارس والجامعات الضعيفة قد جعلت أبناءنا يدمنون الحياة السهلة، وحرمتهم من تذوق طعم العناء مع أن الوصول إلى نتائج باهرة يتطلب العمل فترات طويلة قد تصل إلى عشرين عاماً من البحث والتجريب والتطوير والأداء المتميز .
أنا أعتقد أن بناء بيئات عمل ممتازة هو أفضل طريقة لتوليد ثقافة الإنجاز وترسيخها لدى شبابنا، ومع أن بناء تلك البيئات يتطلب الكثير من الوقت والجهد، إلا أنه ليس لدينا أي خيار آخر.
والله من وراء القصد .
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن