داعية فلسطيني ومفكّر | الكويت
لقد قامت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 ضد الاستبداد والفساد والظلم والجوع والقهر، واستطاع الشعب إزاحة محمد حسني مبارك بتاريخ 11 فبراير/شباط 2011، ثم انبثق عن هذه الثورة نظام ديمقراطي، وقد أقر النظام الديمقراطي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وأجريت هذه الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وفاز محمد مرسي برئاسة الجمهورية بعد أن نافسه أحمد شفيق في المرحلة الأخيرة، وأقر النظام البرلماني دستورا جديدا للدولة، وشاركت معظم الفصائل الإسلامية من إخوان مسلمين وسلفيين في الانتخابات، ودعمت مرسي حتى أوصلته إلى سدة الرئاسة.
ثم بدأت المعارضة تتحرك في مصر ضد مرسي وعلى رأسها محمد البرادعي، مدعية فشل مرسي في تحقيق الأمن للمصريين، وفشله في تحسين الوضع الاقتصادي، مما دعاها إلى جمع التوقيعات المطالبة بتنحي مرسي، ثم دعت إلى مليونية بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2013 بمناسبة مرور عام على استلامه الحكم، واستطاعت أن تحشد عددا كبيرا قدره بعض المراقبين بأربعة ملايين شخص.
وقد تدخل الجيش عدة مرات أثناء تصاعد الأزمة بين مرسي والمعارضة، ثم أعطى عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع مهلة 48 ساعة لمرسي ومعارضته للاجتماع والتوافق على حل سياسي وإلا فإن الجيش سيتدخل لتقديم خارطة طريق للمستقبل.
وفي خضم ذلك ألقى مرسي كلمة يوم الثلاثاء 2 يوليو/تموز ركز فيها على التمسك بالشرعية، ثم ألقى عبد الفتاح السيسي قائد الجيش المصري كلمة في اليوم الموالي (مساء الثالث من الشهر نفسه) أعلن فيها خارطة طريق تتضمن عزل مرسي وتكليف رئيس المحكمة الدستورية برئاسة الجمهورية، على أن يشكل وزارة تقود البلاد لمدة تسعة أشهر يكتب خلالها دستور جديد، وينتخب رئيس جديد وبرلمان جديد.
لقد عزل مرسي عن الرئاسة، فلماذا عزلوه؟ للجواب عن السؤال السابق لا بد لنا من العودة إلى نشوء الدولة الوطنية في مصر بشكل خاص، والعالم العربي والعالم الثالث بشكل عام، لنتساءل: ماذا كان عمادها؟ وماذا استهدفت؟
لقد قامت الدولة الوطنية بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد سقوط الخلافة العثمانية وتفككها إلى دويلات عام 1918، واقتسامها بين الدول المنتصرة (إنجلترا وفرنسا)، ثم قامت الدول المستعمرة باستعمار هذه البلاد وبناء جيوشها وأجهزتها الإدارية.
وبعد استقلال معظم الدول العربية إثر الحرب العالمية الثانية، كان الجيش هو عماد الدولة الوطنية لأنه كان الأقوى والأكثر تنظيما في هذه الدول، وظلت الدول الغربية ترعى هذه الجيوش، وتتواصل معها وتقيم معها أقوى العلاقات، لإدراكها أنه سيكون له الدور الرئيسي في توجيه الدولة وقيادتها. وبالفعل اضطلعت هذه الجيوش في المراحل اللاحقة بأدوار مهمة في قيادة الدول العربية كما هو الحال مثلا في سوريا والعراق وليبيا والجزائر والسودان واليمن.
ولو أخذنا مصر بعد الحرب العالمية الثانية بشكل خاص، لوجدنا أن الجيش هو الذي قام بالانقلاب على الملكية في العام 1952، ليتولى الضباط الأحرار حكم مصر، ثم جاء السادات وحكم مصر من خلال الجيش، ومع مجيء حسني مبارك توسعت وزادت الأدوار التي يضطلع بها الجيش المصري، حيث صار يملك المصانع، ويدير المشاريع الاقتصادية، ولم يكن ذلك إلا جزءا من العوامل التي ستفرض لاحقا على مبارك التنحي عن السلطة في ظل انتشار الفساد، وطغيان منطق الاستبداد، ومساعي التوريث التي كان يقوم بها النظام.
والسؤال الذي يجب التوقف عنده هو: ماذا كانت أهداف الدولة الوطنية؟ لقد كانت الدولة الوطنية قائمة منذ نشأتها على التضاد مع الأمة، وتستهدف إضعاف كيان الأمة بشكل عام، وعوامل وحدتها بشكل خاص، ويمكن أن نبرز هدفين من أهدافها المتعددة، وهما:
الأول: تغريب الأمة:
الثاني: الحيلولة دون العودة إلى الحكم الإسلامي، والتشريعات الإسلامية:
ومن الشواهد التي تؤكد استهداف الدولة الوطنية لتغريب الأمة هو أن كل الحكومات التي قامت بعد الاستقلال في مصر وسوريا والجزائر وتونس والعراق مثلا، كانت تنحو على مثال الدولة الرأسمالية الليبرالية، أو على مثال الدولة الاشتراكية الشيوعية في كل أعمالها الاقتصادية والثقافية والتشريعية والتربوية والفنية.
وأدى ذلك في الغالب إلى حصول تصادم مع عوامل بناء الأمة الثقافية والفكرية والمعنوية، وكانت تسخّر في سبيل تحقيق ذلك المثال جميع أجهزة الدولة من وزارات ومؤسسات وهيئات.
ومن الأمثلة التي تبرز استهداف الدولة الوطنية منع العودة إلى الحكم الإسلامي والتشريعات الإسلامية، قيام الجيش الجزائري بحل البرلمان الجزائري الذي فازت فيه جبهة الإنقاذ بأكثر من تسعين بالمائة من الأصوات.
بعد هذا التوضيح عن الدولة الوطنية وأهدافها نتساءل: لماذا أزاحوا محمد مرسي عن الحكم؟ هل لأنه فشل في معالجة الاقتصاد والأمن؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟
ليس السبب الحقيقي في عزل محمد مرسي هو فشله في الاقتصاد والأمن وغيرهما، ولنفترض أنه فشل في ذلك فلا يحق لهم عزله قبل انتهاء ولايته في ظل نظام ديمقراطي، بل عليهم أن يحتكموا إلى صناديق الاقتراع بعد أربع سنوات، ويبينوا للناس فشله، ويقنعوا جماهير الشعب المصري بعدم انتخابه مرة ثانية.
لكن الذي حسم الأمور هو الجيش الذي هو عماد الدولة الوطنية، فلماذا تحرك الجيش وعزل مرسي؟ من الواضح أن الجيش تحرك وعزل مرسي لأن حكمه خلال السنة الماضية شكل تهديدا للهدفين اللذين قامت عليهما الدولة الوطنية، وهما: التغريب، والحيلولة دون العودة إلى الحكم الإسلامي.
أما بالنسبة لتغريب الأمة فقد أحس الجيش والغرب والعلمانيون أن حكم محمد مرسي يمشي عكس التيار حيث "يؤسلم" الدولة، وهو ما سموه بـ"أخونة الدولة"، وهذا يناقض التغريب الذي رسموه للدولة الوطنية.
أما بالنسبة للهدف الثاني فقد أرسى حكم مرسي في الدستور المصري عدة مواد تساعد على تعديل الأحكام التشريعية في مصر لتصبح أحكاما إسلامية، وهذه المواد هي:
- المادة الثانية في الدستور، والتي جاء فيها: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
- المادة الرابعة، والتي جاء فيها: "الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم.
ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية".
-المادة 219، والتي جاء فيها: "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".
إن هذه المواد الثلاث الموجودة في الدستور الجديد كفيلة بأن تحدث ثورة تشريعية بحيث يستكمل المجتمع المصري اعتماد القيم الإسلامية وأحكامها في كل مجالات حياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والتربوية، وهو ما يناقض الأهداف التي قامت عليها الدولة الوطنية.
وعندما فعل حكم مرسي ذلك سواء في أسلمة الدولة، أو في إقرار مبادئ دستورية تتوافق مع الشريعة الإسلامية، فهو لم يخالف المبادئ الديمقراطية، ولم يخطئ بحق النهج الديمقراطي، لأن من حق الأكثرية في أي نظام برلماني أن تقود الأمور حسب قناعاتها وتصوراتها، ومن خلال رجالاتها، ولكن مرسي اجترأ على أهداف الدولة الوطنية لصالح الأمة التي ينتمي إليها، لذلك انقلبت عليه الدولة الوطنية، وأزاحته عن الحكم.
والخلاصة أن مرسي بشكل خاص، والتيار الإسلامي بشكل عام ظنا أن الدولة الوطنية دولة محايدة، وأن الجيش مؤسسة محايدة، لكن الحقيقة أن الدولة الوطنية وجيشها الذي يحرسها ليسا محايدين، بل أنشئا لأغراض محددة بعد الاستقلال.
ومن الأغراض التي أنشئا من أجلها: التغريب، وعدم الحكم بالإسلام ولا بالتشريعات الإسلامية، لذلك فعندما استخدم محمد مرسي حقه الرئاسي في التعبير عن جماهير الأمة التي انتخبته، وحاول أن "يؤسلم" الدولة، وأن يصدر بعض المبادئ الدستورية التي تساعده على إصدار تشريعات إسلامية، كان رد فعل الدولة الوطنية أنها تصادمت معه، واستخدمت الجيش الذي هو أداتها لعزله، متعذرة ببعض القصور الذي وقع أثناء حكمه.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
داعية فلسطيني ومفكّر | الكويت
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن