باحث في مؤسسة القدس الدولية، متخصص في التاريخ الإسلامي، كاتب في عدد من المجلات والمواقع الالكترونية، عضو رابطة أدباء الشام، ومسؤول لجنة الأقصى وفلسطين في جمعية الاتحاد الإسلامي.
أسد.. غيّر اسمه
١- عند الظهيرة تماماً، خرج النمر من عرينه مسرعاً ساهم النظرات لا ينتبه لما يجري أمامه ولمن يلقي عليه التحية... فمنذ عدة ساعات استلم رسالة غريبة جداً، فمع أول إشراقات شمس الصباح وصل الهدهد إلى العرين وصوت لهثاته بادية واضحة وبعد نقرات متواصلة على الباب فتح له النمر وعينيه شبه مغلقتين سلم له الرسالة على عجل متمتماً بعدة كلمات حول الرسائل الكثيرة والوقت الضيق...
أغلق الباب متلهفاً ولم يستطع الانتظار أكثر فالرسالة من ملك الغاب، لم تحمل الرسالة الكثير من المعلومات (اجتماع طارئ في بلاط الملك بعد الظهيرة مباشرةً)...
أعاد النمر القراءة مرات ومرات... لم يفهم شيئاً، فما سرّ هذا الاجتماع المفاجئ فالوقت غير معتاد وهو وقت راحة الملك وقيلولته، والأوضاع في المملكة في أفضل حال والحيوانات تعيش فيها هانئةً مرتاحة والمطر هذا العام -بفضل الله- وافر كثير ولا يشتكي أحد من قلة الكلأ أو الماء....
دارت هذه الأفكار في خلد النمر وهو يمر في طرقات الغابة المعشوشبة.. بدا ساهم النظرات شارد الفكر فلم يلحظ الحيوانات الأخرى التي اتجهت أيضاً إلى بلاط الأسد...
وصل إلى فلاة واسعة مكسوة ببساط ريان من العشب الغض تفوح منه النضارة والحياة وقد ظللتها شجرة هائلة الجذع عظيمة الفروع كأنها سقف أخضر مهيب تتخلله خيوط الشمس الذهبية فتزيد من المنظر مهابةً وألقا وأمام الشجرة مباشرة وقفت صخرة تليدة موجودة منذ أن خلق الله الأرض لم تستطع السنون أن تزيلها أو تغيرها هي منبر الأسد ومكان جلوسه يشرف منها على ضيوفه وعليها يقضي بين المتنازعين..
لم ينتظر نمرنا طويلاً حتى بدأت الحيوانات الأخرى بالتجمع فها هو كبير الفيلة مع بعض بنيه وكل ثلم في جلده ينبأ بمعارك ضارية قد خاضها دفاعاً عن أهله وعشيرته، وفي الطرف الآخر مجموعةٌ من الحمر الوحشية دائمة الحركة تتفجر حيويةً ونشاطاً، وقريبٌ منه قطيع من الغزلان بديعة المنظر - لا لجمالها وروعتها بل لطعمها اللذيذ فهو نمرٌ بالنهاية- والجميع في أمن الملك وسلطان عدله...
٢- في جولة سريعة عرف النمر أن الجميع قد حضر وهم في انتظار ملكهم وضرورة الأمر الذي جمعهم من أجله في وقت الدعة والراحة...
عندها سمع الحضور زئير عصبة الملك تخبرهم بوصوله... أصوات تخلع القلوب لقوتها فظهر الملك وحوله عائلته وجنوده في مظهر مهيب لا يخلو من بعض الاستعلاء والعنجهية وهو ديدن الملوك ومظهرهم...
ارتقى الصخرة بقفزة واحدة وأحاط به معاونوه وزبانيته... ساد صمت رهيب لحظات قليلة.. الكل ينتظر كلام الملك وغرضه...
تنحنح الملك وجال على الحضور وابتسامة صفراء تلوح على محياه ويبرز من ثناياها أحد أنيابه ظاهرة بوضوح - نوع من الرسائل ربما-....
وبدأ خطابه التاريخي:
" إخواني... رعيتي الغالية...
أشكركم على الحضور في هذا الوقت وأنا أعلم المتاعب التي تكبدتموها وأثني على حرص الجميع على الحضور فالأمر كما يعنيني بشكل شخصي يعنيكم يا رعيتي وما الملك من غير شعبه وأبنائه وما سلطتي إلا منكم ولكم...
قد قام أحد الجبارين في بني آدم بقتل شعبه وإبادة الحرث والنسل سفحت الدماء شلالات في سبيل كرسيه وثباته في ملكه، وقد أخذ اسمي له ولعائلته شعاراً وكنية حتى أصبح مرادفاً لكل قاتل سفاح ولكل خسيس أفاك...
أيتها الحيوانات أصبح اسمي بينهم سبةً وصورتي نكتة قميئة... لم تقم حملة على شخصية كما هي الآن... ذقت فيها العذاب صوراً وهو على ما هو من الغوص في دماء شعبه والولوغ في جثثهم ...
وهنا قاطعه قرد عجوز عتا عليه الزمن معلقاً: "ولكنك أيها الملك تقتل بلا هوادة وشفقة"...
رد الملك بحرقة: "نعم أقتل ولكن لكي آكل وأتزود بالغذاء... لم أقتل يوماً معارضاً ولم أكتم صوت الانتقاد مهما علا، أعامل الجميع بميزان واحد مهما علا شأنه أو مكانته" ...
جمعتكم لكي تشيرون عليّ باسم آخر، فلم أعد أحتمل تلك النظرات التي ترمقني بكل قسوة على جرائم لم أقم بها...".
٣- امتدت نقاشات الحيوانات حول الاسم الذي سيختارونه للملك وعائلته فترة من الزمن، وهم في استغراب وذهول من قاتل لا يأكل ومفترس يدب على اثنتين... يشتهي الدم ويلغ به ليبني من جماجم الشعب كرسيّ حكمه...
أطرق النمر قليلاً مما سمع وأخذته أفكاره لذلك العالم الذي فاق الغابة ظلماً ووحشية... لمجتمع تمسك أسده بالملك تحيطه عصبة من مصاصي الدماء و القتلة... وجد النمر نفسه رحيماً جداً بمقارنتهم ...
تنحنح زعيم الفيلة ليدلي بوجهة نظره فقد صخب الجدل واحتدت الآراء...
"ملكنا... نشعر بالألم الذي اعتراك والهم الذي احتل نفسك، ولكنك تبقى لنا وللكثير من سكان ذلك العالم عنواناً للقوة والشجاعة رمزاً من رموز العنفوان وصورةً سامقة لا يمكن لأحد زعزعتها، ستظل نبراساً لكل فضيلة وقوة وشعلة لن تخبو هل تظن أن ذلك القاتل سينجو والأحرار -كما سمعت- يزحفون إليه من كل حدب... ينسلون كصقور عرفت طريدتها فهي إليه واصلة لا محالة ولرقبته قاطعة لتذيقه وبال عمله وعاقبه غطرسته، وإن نجا من عذاب الدنيا فلن ينجو من عذاب رب السماء فهو العادل والعدل له صفة تبارك وتعالى... ستظل ملك الغابة أسد الشجاعة والحرية وسيهزم أسد الطائفة والخناعة..."
سار النمر قافلاً وقد انفض الاجتماع مع هبوب نسمات المساء تحمل رطوبة عذبةً محببة تنعش القلب وتجلي الفؤاد، وانفض الجمع حامدين الله تعالى أن خلقهم حيوانات لا يقتلون لمنصب أو جاه ولا يذبحون في سبيل الحكم...
ملاحظة:
- النمر يعمل حاليا في بلاط الملك وهو من المحظيين المقربين.
- القرد العجوز: اختطف من شجرته ليلاً ولم يعد يعرف مكانه ولم يجدوا سوى كتاب "الطاغوت" كدليل من مكان الجريمة.
- زعيم الفيلة: اعتزل الحياة السياسية بسبب كبر السن، ومعلومات لصحيفة الغابة بأن ضغوطات كبيرة مورست بحقه.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة