المكافأة
امرأة تغلغل حبُ القرآن في روحها ووجدانها، وعاشت في ظلاله تترصّد إذاعة تبثّه، أو تالياً يتلوه، أو ضيفة تقرأ لها!! لأنها تزوجت ولا تعرف قراءةً ولا كتابة.
لذا.. كان حبها للعلم يقضُ مضجعها، ويؤرق جفنها ويجافيها عن النوم والدّعة
فهي تقوم من الليل لتدعو ربها وتتضرّع إليه وتسأله أن يرزقها تعلُم القرآن الذي من أجله أحبت العلم والتعلّم.
وما أن التحق كبير أولادها بمدرسته حتى بدأت تدرس معه حرفاً بحرف، وكلمة بكلمة، ودرساً بدرس، لا يشغلها أبناؤها السبعة- وقد تعاقبوا- وزوجها وبيتها عن غايتها في أن تتعلم لتصبح أهلاً لتلاوة القرآن وحفظه مع تجويده.
وأخذت تكدّ في الليل والنهار حتى أتمت الشهادة الإعدادية وهي بين هذا وذاك تتناوب مع أخوات لها في تعلّم أحكام التلاوة والترتيل.
وفي الوقت الذي فرّغت فيه الكثيرات من النساء أنفسهنّ للدنيا ولزينتها يردن علوّاً في الأرض أو فساداً، كانت فيه (أم رامز) تترك أي انشغال يسرقها عن أوَليات وظائفها: واجبات الزوجة، تربية الأبناء على الإسلام، تعلم القرآن.
وبدأت رحلتها مع الحفظ: قولاً بحسب ما منحها الله من وقت وذكاء واهتمام، وعملا
بحسب ما وفقها وهداها إليه.ومن طريف
ما أذكره أن جارة لها كانت نصرانية، وكانتا منفردتين في السكن في قرية نائية غريبتين عن الناس هناك. كانت كلما زارتها تستنكر عليها هذا الكتاب الذي بين يديها وعندما تسألها تقول لها: أموت لو لم أقرأه. فتحاول سحبه من بين يديها، فتأبى عليها ذلك، حتى حاولت معها مراراً أن تقرأ لها شيئاً منه دون أن تصدّها جارتها عنه.
وهي في قولها: أموت لو لم أقرأه، تقصد أن قلبها يموت لو لم تتشبث بهذا الكتاب وعند كل آية تقرؤها تستوقف أنفاسها متلهفة لمعرفة ما يؤول إليه تعلم هذه الآية، بل كانت كلما مرت على آيات فيها وصف الجنان ترقرقت عبراتها لتتساءل عن نفسها إن كانت ممن يستحق تلك المراتب العالية.
وجاءها الجواب: امتحانات متتالية لو أن حجراً تلقّاها لفتَتته تلك المحن الشدائد، فقد ودّعت ابنيها وصهرها مختارة راضية إلى أن تلقاهم في يوم الحشر وقد أتم أحد هذين الابنين والصهر القرآن حفظاً كاملاً، في حين لقي الله ابنها الآخر بعشرة أجزاء فقط، كما خرّجت ابنتيها من الحافظات كذلك والثالثة بعشرة أجزاء كأخيها الشهيد.
ثم توالت عليها امتحانات أخرى تخرّ لها الصخور الرواسي، لكن جنانها قد مكّنه الله- إن شاء الله على الدوام- من غايته التي كانت تدأب لها في الليل والنهار.
ويوم أن أتمّت حفظها للقرآن كاملاً كانت فرحتها ناقصة لأنها تستشعر النقص في تطبيق العمل وشيء من التلاوة والتجويد.
فما تركت مدرسة إلا والتحقت بها رغم ملاحقة الأمراض وتعاقب الهموم، وما منعها ذلك كله من مواصلة التفوق والنجاح اللذين ما كانت لتقنع بهما أبداً.
وليس عجيباً أن يكون إيمانها بالله أقوى من كل قوة أرضية تواجهها وتتحدّاها... فقد ارتحلت سنوات طويلة، وطوت بلاداً بعيدة ولكن قرآنها المكنون في صدرها اللاهث كان لا يطوى عنها في ليل أو نهار.
نالت عدة شهادات تقدير من المدارس التي درست فيها أو درّست لكنها ما رضيت قبول هدية لتكريمها إذ قالت:"والله ما حفظت القرآن من أجل المكافآت، إن توفيقي لحفظه هو المكافأة".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن