دروس وعبر من نصرة الشهيد عبدالله عزام للجهاد الأفغاني
كعادة الكبار يختلف الناس في تفسير تجاربهم فيسعى كل طرف إلى شدّ الأمر صوبه، ظاهرة الشهيد عبد الله عزام رحمه الله الذي قاد المجاهدين العرب خلال فترة الجهاد الأفغاني تمثل هذه الأيام المثال الصارخ لهذه الظاهرة، وبحكم قضائي وقتاً طويلاً مع الشهيد وعملي معه بداية حياتي الصحافية في مجلة الجهاد التي كانت إحدى المجلات الناطقة باسم الجهاد الأفغاني تحريضاً وإعلاماً وذبّاً عن الجهاد والمجاهدين أراني أفتح بعض دفاتر تلك المرحلة المهمة لتشابهها كثيراً مع ما نعيشه اليوم على أرض الشام أو اليمن والعراق وليبيا وغيرها، مدركاً أن ثمة إخوة أفاضل كرام كانت تربطهم علاقة أوثق مع الشهيد، ولكن لعل جهدي المُقل هذا، يفتح كُوّة في تشجيعهم على الحديث عن تلك التجربة وإسقاطها على واقع نعيشه، لاسيَّما وأن التشابهات كثيرة وتحديداً فيما يتعلق باللعبة واللاعبين والمتلاعبين.
حرص الشهيد عبد الله عزام في كل خطبه ودروسه ومحاضراته مع المجاهدين العرب القادمين لنصرة الشعب الأفغاني الذي احتلته قوة سوفيتية غاشمة على التأكيد على مركزية واحدة أنكم جئتم لنصرة المظلوم وردّ العدو الصائل، وبالتالي عليكم أن تكونوا خدماً للأفغان وسنداً لهم، فصلّوا كما يصلون ولا تتقدموهم بشيء حتى لا تفسد العلاقة بينكما، وتفسدوا معها عبادة الجهاد عليكم وعليهم، ولم يخلُ الأمر يومها من بعض النكرات الذين أثروا الحديث عن الفروع مما هدد بحرف بوصلة الجهاد، ولكن ظلت الساحة الجهادية بفضل الله وبأمثال عزام مضبوطة.
قضية محورية أخرى كان يحرص الشهيد عبد الله عزام عليها وهي عدم التدخل في خلافات المجاهدين البينية حتى بين فصائل محسوبة على الخط العلماني الأميركي مثل جماعات مجددي وجيلاني ومحمدي، وظل صامتاً عليها تاركاً قادة الفصائل الجهادية أن يعالجوا أمورهم بأنفسهم، فلم يُؤثر عليه تحريض لفصيل على آخر، أو اتهام لحزب دون غيره، فقناعته أن هذا لن يخدم إلا العدو الصائل السوفيتي وهو ما سيودي بالدين والدنيا، خصوصاً وأن تراكمات عقود من العلمانية والذل والهوان والاستعمار والاستبداد على الأمة لا يمكن أن تتحمله دولة بحجم أفغانستان لوحدها.
قضية ثالثة هامة كان لا يحب الوقوف عندها وهي قضية تسليح المجاهدين الأفغان، فالكل يعلم أن السلاح كان يأتي من أميركا ودول عربية وكذلك المال والمساعدات الأخرى، ولم يكتفِ بالصمت عليها وإنما لم يجد غضاضة في تلقي دعم حكومي لمكتب الخدمات الذي أداره باقتدار ما دام العدو الداهم على الأبواب، خطره لا يقارن بأخطار من يتلقى منهم الدعم، فصمت تماماً عن التسليح، وحين فتح البعض مسألة إرسال أميركا صواريخ ستينجر المضادة للطائرات للمجاهدين لم يشأ الدخول فيها وظل مشجعاً على الحصول على هذه الأسلحة من أجل تفادي ما هو أخطر وأعظم وهو العدو السوفيتي الصائل الذي يحلق الدين والدنيا، ولطالما كرر عبارته إن كنت غريباً فكن أديباً.
أما القضية الرابعة التي لا تقل أهمية فهي صمته أو انتقاده لماماً وبشكل لا يتقدم فيه على انتقاد المجاهدين الأفغان وقياداتهم الجهادية لها وهي اتفاقيات جنيف بين النظام الشيوعي العميل وباكستان وروسيا وأميركا، فقد ظل ينأى بنفسه عن هذه القضايا كي لا يُؤلّب عليه الأفغان وألا يفسد الحاضنة الباكستانية لآلاف المجاهدين العرب، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
رحم الله الشهيد عبدالله عزام الذي كان يكرر «سيروا على سير أضعفكم» والسير هنا المقصود به السير وفقاً للسنن الاجتماعية وليس فقط السير الذي قد يتبادر إلى الذهن، ويأتي البعض ليقول لك اليوم إن الإسلام لا يفرق بين دولة وأخرى، وهذا صحيح في المجمل ولكنه نفسه لو تحرك إلى مدينة أخرى ببلده لما جرأ أن يفرض نفسه أميراً عليهم فضلاً أن يُؤمر نفسه بدولة أخرى وسط علمائها وقادتها.
ظل الجهاد الأفغاني لسنوات ثم جاءت حركة طالبان أفغانستان، لم نسمع أو نرَ غير أفغاني وقف على نقطة تفتيش يُفتش الأفغان ويسألهم عن هوياتهم. السؤال هل جاء هذا المجاهد للنصرة أم لإذلال أهل البلد وإثارة حساسيات لا يمكن محوها في سنة أو سنتين؟ فما وصلنا إليه نتاج قرن أو أكثر من تعميق وتجذير الوطنية والقومية المقيتة وإزالتها لا يكون باستعراضات وحركات بهلوانية.
رحم الله الشهيد أبا محمد وأسكنه فسيح جناته، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن تكون سيرته ملهماً للمجاهدين الصادقين، وألا يكون فتنة للذين آمنوا وجاهدوا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة