فريضة الوقت أم نافلة الحج؟!!
الحمد لله رب العالمين , وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
قال الله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا .... }.
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ، فضله عظيم ، وثوابه كبير، ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل فريضة الحج في العمر مرة واحدة على المستطيع، ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن فريضة الحج أكلَّ عام؟ قال: (لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم .....) "رواه مسلم ".
ولا خلاف في أن نافلة الحج لها أجر عظيم أيضاً وقد حث النبي ثلى الله عليه وسلم على فعلها بقوله: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة و ليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) "رواه الترمذي".
والنوافل أقسام منها:
· ما يخصُّ المرءَ الذي يؤديها بذاته، مثل الصلاة والصوم بمعنى أن الإنسان إذا أداها كانت خيراً وثواباً له لا يستفيد منها الآخرون بصفة مباشرة ولا يتضررون من تركها بصفة مباشرة.
· ومن النوافل ما يتعدى برُّها وخيرها إلى الآخرين، مثل الصدقة والإحسان وأعمال الخير......... فكلما أكثر المسلم منها كانت خيراً له ونفعاً لغيره.
· وقسم ثالث: لا يتعلق بذات المرء فحسب، بل يتعلق بالآخرين بسبب المزاحمة في المكان وغيره، ومن هذا القبيل حجة النفل، فإن الإنسان لا يحج بمفرده في الوقت الذي يريد، والمكان الذي يريد، لأن مشاعر الحج محدودة، وزمان الحج موقوت لا يتقدم ولا يتأخر.
لذا فإن هذه النافلة إن كان فيها تضييق على الحجاج الذين يؤدون فريضة الحج فإنه لا يصح أن تزاحم النافلةُ الواجبَ، وكذلك ربما يترتب على هذه النافلة مفسدة بتضرر الآخرين من شدة الزحام، فإن كانت مصلحة البعض أن يتنفل بالحج مرات، وكان من وراء ذلك مفسدة عامة للألوف من الحجيج كان الواجب منع المفسدة، وقد حذر الرسولُ صلى الله عليه وسلم عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه من أن يزاحم الناس على الحجر لئلا يؤذيهم فقال له: (ياعمر إنك رجل قوي ، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله، فهللْ وكبرْ ) "رواه عبدالرزاق في مصنفه والبيهقي".
وأخرج الشافعي رحمه الله في مسنده عن منبوذ بن أبي سليمان عن أمه كانت عند عائشة رضي الله عنها فدخلت عليها مولاة لها، فقالت لها: يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعاً، واستلمت الركن مرتين، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: (لا آجرك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال، آلا كبرَّت ومررت) "رواه البيهقي وغيره".
وهذا طبعا ليس خاصاً بالحجر، بل قاعدة عامة في أن كل ما يترتب عليه التضييق على الناس وإيذاؤهم.
وأمر آخر يتعلق بحجة النافلة، وهو أن النفقة فيها إن كانت تحجب عن مساعدة المحتاجين والمنكوبين فإن في ادائها نظر، وفرض الوقت مقدم على نافلة الحج وغيرها من نوافل الصدقات.
أخي الحبيب، أختي المؤمنة:
ما دام هدفك طاعة الله تعالى والحصول على رحمته في أيام الحج عامة، وفي يوم عرفة خاصة، فقد جعل الله لك أبواباً من الخير لا تُعُّد ولا تحصى، وربما حصلت فيها من الثواب والأجر أضعاف ما ستحصله في حجك.
ومن أعمال الخير:
لتزود من الطاعات في أيام العشر من ذي الحجة، يقول عليه الصلاة والسلام : (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) يعني أيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) "رواه البخاري ".
وصيام يوم عرفة يقول عنه صلى الله عليه وسلم: (يكفّر السنة الماضية والباقية) "رواه مسلم ".
يضاف إلى ذلك أنك لو تصدقت بالمبلغ الذي تريد أن تنفقه على حجة النافلة إلى الفقراء والمنكوبين من المسلمين وهم كثيرون في العالم الإسلامي يكون ذلك خيراً يضاف إلى خير.
ولقد أكد علماؤنا من السلف الصالح على هذه المعاني النبيلة من ذلك:
سئل الإمام أحمد رحمه الله: أيحج نفلاً أم يصل قرابته؟ قال: (إن كانوا محتاجين يصلهم أحبُّ إليَّ) "ذكره ابن مفلح في الفروع".
وروي عن الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله أنه خرج مع أصحابه لأداء الحج (حجة نافلة) فرأى امرأة تبحث في القمامة عن بقايا من طعام لتأكل وتطعم أولادها، فأعطاها النفقة التي جاء بها للحج وقفل راجعاً ولم يحج!!
وهكذا حقوق أخوة الإسلام هي أعظم أجراً عند الله تعالى من نوافل العبادات من صلاة وصيام وحج!!!
فهل يعي المسلمون هذه المعاني النبيلة؟ .
يا ترى لو تصدق إخواننا و أخواتنا الذين يُصرون على الذهاب إلى الحج كلَّ عام بالمبلغ الذي رصدوه لنفقة حجهم على المحتاجين والفقراء، ألا يكون ذلك أعظم أجراً، فالمآسي التي تتعرض لها الشعوب المسلمة اليوم كثيرة جداً ولا أعلم مأساة في العصر الحديث حتى ولا في القديم مثل المأساة التي يتعرض لها الشعب السوري الحر الأبي العفيف، فكم من أسرةً كريمةً كانت تعيش في بحبوحة و رغد من العيش فقدت اليوم مسكنها الذي كانت تسكنه، وفقدت مصدر رزقها الذي كانت تعيش منه، حتى نفدت كل مدخراتها، سنة ونصف بدون عمل، والنظام السوري الظالم يقتل الناس ويهدم المتاجر والمصانع والبيوت حتى المساجد لم تسلم من تدميره وأذاه... كل ذلك يضعنا هذا أمام مسؤولية ضخمة أمام الله تعالى، ثم أمام أخوة الإسلام التي أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقها، حتى اعتبر كمال الإيمان بالبر إلى الإخوان فقال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
أخي المسلم، أختي المسلمة: قد يتبادر إلى ذهنك أننا نبالغ في ذلك ولكن هناك إحصائيات رسمية بالأرقام والأسماء، وغالباً هي أقل من الحقيقة لأن ما خفي أعظم وإليك آخر الإحصائيات:
عدد الشهداء حتى تاريخ اليوم: 32.223.
عدد المهاجرين في تركيا: 85.000.
عدد المهاجرين في لبنان: 65.000 بحسب المفوضية العليا للأمم المتحدة.
عدد المهاجرين في الأردن: 87.000 بحسب مصدر أردني.
هؤلاء المسجلون رسمياً وهناك مهاجرون لم يتم تسجيلهم وربما بلغ عدد المهاجرين أكثر من نصف مليون في كلٍّ من: (تركيا – الأردن – لبنان – العراق – مصر – ليبيا).
عدد المعتقلين :216 ألف مفقود.
عدد المفقودين : 65,000 ألف مفقود.
هذا بالإضافة إلى أن عدد المهجَّرين داخل سوريا يصل إلى ثلاثة ملايين شخص.
كل هذا لا يجعلنا ننسى أبداً المآسي الأخرى التي تتعرض لها الشعوب المستضعفة مثل الشعب المسلم الأركاني في بورما، وإخواننا في فلسطين، وإخواننا في الصومال، وفي كثير من بلاد العالم الإسلامي.
إخواني وأخواتي: إن الحاجة فوق الوصف بل فوق الخيال؛؛؛ إنه يوم المسغبة الفعلي الذي حث ربنا تبارك وتعالى على الإنفاق فيه بقوله: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة} فاللهَ اللهَ أيها المسلمون في إخوانكم وتأملوا حديث رسول اللهصلى الله عليه وسلم (من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).
المصدر: رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن