... وفي أوروبا طامّات أيضاً
كتب بواسطة بقلم: د. أحمد أبو الشباب
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1216 مشاهدة
عندما أدليتُ بدلوي في مَعين الانطباعات التي كوّنتُها قبل فترة من خلال إقامتي في ألمانيا (في مقالتي التي كتبتها في العدد السابق بعنوان: "انطباعات زائر إلى أوروبا")، كان لا بد من الحديث عن الإيجابيات التي وقفت عليها هناك من باب العدل والقسط والإنصاف، وكان يُفتَرض بي أن أعرِّج على السلبيات والطامّات التي أمكن لي ملاحظتها، مما يثقل كاهل المجتمعات الأوروبية والغربية. وفي تقديري إنّ واحدة من تلك الطامّات تكفي لتقويض دعائم أمة بأكملها. إلا أنه لم يكن ثمة متّسع لبَسْط القول في هذا الجانب السلبي المظلم الذي يتراءى بوضوح كالشمس في رابعة النهار.
وأنا في هذا الصدد لا أتحدث عن المواقف السياسية التي يغلب عليها طابع الظلم والانحياز إلى قوى الشر والبغي والعدوان، ولا أتحدث عن الخلل الفاضح في مجال حقوق الإنسان، فتجد على سبيل المثال أن الحكومات في أوروبا تستنفد كل الطاقات والإمكانات الأمنية والطبيِّة لإنقاذ (قطة) عَلِقت فوق شجرة مرتفعة، بينما يسفكون دماء النساء والشيوخ والأطفال بدم بارد في العراق وأفغانستان وباكستان، في الوقت الذي يغضّون فيه الطَّرْف عن الجرائم التي يرتكبها حفدة القردة والخنازير، شُذّاذ الآفاق، بحق أهلنا في فلسطين!
وقد جرى في كثير من الحالات توريث كلب أو هرّة ملايين الدولارات، بينما يقومون بسحق الملايين في أروقة البورصة والبنك الدولي ودهاليز وُول ستريت.
لن أتحدث عن كل هذه الجرائم، ولكن سأقتصر على أبرز مظاهر الفساد على كثرتها، لأضعها بين يدي اللاهثين وراء الهجرة إلى أوروبا، عسى أن يأخذوا منها العبرة والموعظة والدرس لحاضرهم ومستقبلهم:
1.النسيج الاجتماعي الممزق:
مما لا شك فيه أن أبرز تلك المظاهر يتمثل في النسيج الاجتماعي الممزق الذي يكاد يطغى على كل شيء؛ فقد تسلخ عمرك كله في أحد المباني السكنية، وعمراً مع عمرك لو أتيح لك ذلك، وبالكاد تتواصل مع جارك الذي يقيم في الطابق نفسه عن طريق إلقاء التحية، ولتذهب حقوق الجار إلى الجحيم!
2.التفكك الأسري:
تتراءى هذه الظاهرة من خلال الروابط المترهّلة التي تربط أفراد الأسرة، فغالباً ما يتخلى الآباء عن أُسَرِهم، وقد تحذو النساءَ حذو الرجال في حالات أخرى فتتخلى المرأة عن أسرتها. كما تتراءى هذه الظاهرة من خلال القوانين التي تنحاز إلى جانب المرأة عند الخصومة؛ ما يُفضي غالباً إلى الطلاق. من هنا نجد أن نسبة الطلاق هي العليا في أوروبا على المستوى العالمي. ولا يخفى على كل ذي بصيرة أنّ أجهزة الأمن في أوروبا تقوم بدور فعّال في تفاقم هذه الظاهرة؛ حيث تقوم مقرات اللجوء باستقبال المرأة الناشز وتوفِّر لها كل ما يلزم من غذاء وكساء ومال.
كما تتعاطى مع المراهقين الذين يبلغون سن الثامنة عَشْرة، ويرغبون في الانفصال عن أهليهم بالطريقة نفسها، فتقدم لهم المال والمسكن، ولا فرق في ذلك بين الذكور والإناث، ما يؤدي في الغالب إلى فتح باب الفساد على مصراعَيْه؛ حيث يلجأ المراهقون والمراهقات إلى الزنا عن طريق المساكنة التي تنتشر هناك انتشار النار في الهشيم، ما يؤدي إلى مزيد من المواليد غير الشرعيين.
3. قانون حرمان الأطفال من آبائهم:
أما الثالثة ... فتتمثل فيما يُعرف بهيئة رعاية الأطفال التي تمارس بحق العائلات أبشع صنوف الظلم والتعسف والاضطهاد، بحُجة الحفاظ على حقوق الأطفال، فتلجأ إلى انتزاع الأطفال من أحضان ذويهم إذا ما تعرضوا لأي ضرب من ضروب العنف، أو ما يمثل ذلك في نظرهم بتعبير أدق؛ فكم من أسرة فقدت أولادها على يد هذه العصابة المجرمة التي تحرِّم ضرب الأطفال مهما كانت الأسباب، ولو كان الضرب من باب التأديب، وهناك مئات الأمثلة التي انتُهكت فيها حقوق الإنسان على يد هؤلاء؛ ففي إحدى الحالات انتزعت هذه الهيئة خمسَ بنات من والدِيهنّ، وتم إلحاقهن بأسرة دانمركية في كوبنهاغن، لتنتهي فصول هذه المأساة باغتصاب البنات الخمسة على يد الدانمركي المجرم الذي لا يزال يقبع في السجن.
وأقرب مثال على هذه الظاهرة؛ ذلك الأب الأردني الجريح من آل قطناني، الذي انتزعت هذه الهيئة المجرمة في السويد أطفاله الأربعة، لا لشيء، وإنما بسبب صفعة وجّهتها زوجته لأحد أطفاله في محطة القطار!!!
4. الفوضى الجنسية:
وإذا أردنا أن نسلِّط الضوء على الفوضى الجنسية هناك، فواقع الحال في هذا الصدد يُغني عن المقال، فقد بلغ القوم درجة من الإسفاف، أُريق على مذبحها ماء الحياء والفضيلة بغزارة تنمّ عن مدى الانحطاط، لدرجة أنهم وضعوا القوانين والتشريعات للشذوذ الجنسي، والزواج المِثْلي، والحرية الجنسية والإجهاض... حتى رأينا بعض الآباء يعاشرون بناتهم معاشرة الأزواج!!! مما لا يحتاج إثباته إلى برهان.
وثمة ملاحظة لا بد منها، وهي ذات صلة بالقوانين، وخاصة ما يتعلق منها بالجنايات، حيث يبدو الخلل واضحاً في بعضها؛ فقد تصدر بعض الأحكام بحبس المجرم القاتل خمس سنوات وربما أقل من ذلك، ما هوّن أمر الجريمة على الموتورين، الذين يُقِبلون على أعمال القتل بدمٍ بارد، وإذا ما علمنا أن السجون في تلك البلاد أشبه ما تكون بالفنادق ودُور الاستراحة، حيث توفَّر للسجين - إلا في حالات نادرة - كل أسباب الراحة والإجازات، من هنا نجد أن نسبة الجريمة هي الأكثر نسبياً على المستوى العالمي.
* * *
هذه أبرز مظاهر الفساد التي لاحظتها في تلك البلاد أضعها بين يدي القارئ الكريم سائلاً المولى عز وجل العفو والعافية، والسداد والرشاد في القول والفعل والاعتقاد.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن