جهاز الاتزان في جسم الإنسان
إن شرف الإنسان وفضيلته فاق بهما جملة من أصناف الخلق باستعداده لمعرفة الله سبحانه وتعالى التي هي في الدنيا جماله وكماله وفخره وفي الآخرة عدّته وذخره.
وإن أهم ما يمتاز به الإنسان عن سائر المخلوقات هو العلم. وبما أن العلم فريضة كان قبول النتائج التي يتوصل إليها العلم فريضة أيضاً. ويخطئ كثيراً من يظن أن الإسلام حرم الأخذ بنتائجه والاستفادة منها. كما يخطئ أيضاً من يظن أن القرآن يمكن أن يتناقض مع العلم. وكيف يقع التناقض إذا كان المصدر واحداً؟ فالله تعالى هو الذي أنزل القرآن هدىً للناس وهو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، فالعلم والقرآن كلاهما منحة من الله للإنسان.
فالإنسان.. آية من آيات الله في كونه.. وكتابٌ من العلم ينضوي في طياته إعجاز متكامل.. يمثل أروع شهادة على عظمة الخالق جلَ جلاله. وفيه آيات مختلفة يعجز القلم عن وصفها.
فالمخيخ آية تنطق بالإعجاز لما يقوم به من إنجاز في جسم الإنسان من حفظ وتوازن. إذ يختص هذا العضو من الجهاز العصبي بإحدى الوظائف الحيوية وهي حفظ القوام متزناً على الأرض في أي وضع من أوضاع الجسم متغلباً بذلك على الجاذبية الأرضية.
وجهاز الاتزان بالجسم هو مجموعة خلايا لا يزيد وزنها عن (142 غرام) تتشكل في نصوص متخصصة وتكوِن في مجموعها المخيخ.
وهذا الجهاز يحدد ثلاث خصائص هامة لحركة الإنسان وهي:
1-حفظ التوازن بين الجسم والأذن:
أ-وضع الرأس في الجسم.
ب-وضع الجسم من الأرض.
2-تحديد القوة العضلية المطلوبة لبذل الحركة وكذلك مسافة هذه القوة.
3-التنسيق بين العضلات المختلفة في الأوضاع المختلفة
ولكي نتصور أهمية المخيخ في تمكين العضلات من القيام بوظائفها نذكر الآتي:
( أ) إن عملية المشي تتطلّب تناسقاً عجيباً بين (200) عضلة من الجسم، منها أربعون عضلة لرفع الجسم وتحريكه للأمام، ويتوافق ذلك زمنياً مع عمل عضلات الظهر بالدفع إلى الكتفين والصدر لجذب القوام للخلف ليعادل الحركة الأمامية للرِجل. ولكن حتى لا يكون عمل عضلات الظهر سبباً في سقوط الجسم للخلف فإن عضلات البطن تنقبض بتوافق بديع لدفع القوام للأمام، وتتكرر هذه الحركات مع كل خطوة يخطوها الإنسان.
وحسب الخطوة المطلوبة بعداً وقوةً يرسل المخيخ أوامر بتحديد القوة العضلية وأبعاد عملها لهذه العضلات جميعها. وليت الأمر ينتهي عند ذلك. لكن كيف يمشي الإنسان دون أن يقع أو يخرج عن مساره الذي يحدده؟ هنا تستشعر أجهزة الاتزان بالأذن وضع الرأس في الجسم أي أمامي – خلفي – جانبي – دائري، ووضع الجسم من الأرض، وترسل معلومات للمخيخ فيرسل أوامره الفورية للعضلات والأوتار عند المفاصل لتثبِت وضع الجسم حسبما يتطلب الأمر. فتبارك الله سبحانه.
وزيادةً في الإعجاز اللامتناهي فإن المخيخ يهيمن على اتزان حركة عضلات اللسان وعددها (17) عضلة، وعضلات الوجه التعبيرية (22) عضلة، وعضلات انفراج الشفتين (22)، وعضلات ضمّ الشفتين (2). فإذا أصيب المخيخ أصبح الكلام متقطع الأحرف عديم الانسجام ذات إيقاع مطوَل ومملّ:﴿هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه﴾[لقمان:11].
والآن، كيف يتم الاتصال بين المخيخ والجهاز العصبي؟
فالجهاز العصبي المركزي يتصل مع المخيخ بشبكة معقّدة، ولكن في غاية الدقة من الاتصالات العصبية، فالمخيخ يستقبل المعلومات الخاصّة باتزان من خلال اتصاله مع الحبل الشوكي وعضلات العين والأذن الداخلية، وينقل المخيخ أوامره إلى الحبل الشوكي والحدبة الخلقية والبصلة السيسائية بالساق المحنّي.
كما يتصل المخيخ – ذهاباً وإياباً – بالقشرة المخّيّة. وتستشعر جسيمات استشعار اللمس العميق بأسفل طبقات الأدمة بداية حركة المفاصل فترسل معلوماتها إلى الألياف العصبية التي تكوِن حزمة خاصة تخرج من الجزء الخلفي من الحبل الشوكي صاعدة إلى المخيخ. وبالتعاون مع القشرة المخية تتحدد القوة المطلوبة لبذل الحركة وتتحدد المسافة المطلوبة للحركة بعداً أو قرباً بكل دقة، وفي نفس الوقت ينقل إلى المخيخ المعلومات الخاصة بوضع الجسم من الأرض وذلك عن طريق جهاز خاص لاستشعار الحركة يتكوّن من ثلاث قنيوات هلالية، وفي نفس الوقت ينقل إلى المخيخ المعلومات الخاصة بوضع الرأس من الجسم عن طريق زوجين من الدهاليز بالأذن الداخلية ولهذا فقد يصل عدد الاتصالات لخلية واحدة من المخيخ مع الخلايا العصبية الأخرى إلى 100،000.
وأخطر أعراض تلف المخيخ لدى مدمني الخمر أن يضطرب اتزان الشخص ويحاول جاهداً أن يتّزن فيجد نفسه مائلاً تارة لليمين وتارة لليسار ورأسه يتأرجح. وغالباً ما ينتهي الأمر بالسقوط على الأرض بعدما تفشل أجهزة الاتزان في مقاومة جاذبية الأرض.
هكذا تهوي الخمر بشاربها إلى الأرض في الدنيا كما تهوي به إلى أسفل جهنم في الآخرة، وصدق الله حيث يقول:﴿أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمّن يمشي سوياً على صراط مستقيم﴾.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة