مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارت
الانقلاب في تركيا: يؤكد موافقة الولايات المتحدة على اسقاط اردوغان مقابل تخلي موسكو عن الاسد
التفاهم الأميركي – الروسي على معالجة الملف السوري، كان لا بد ان يشمل ملفات اخرى شائكة مرتبطة بالشان السوري، وحتى قضايا الدول المحيطة بسوريا كما بالدول الاقليمية المؤثرة في الشأن السوري وبقضايا دول اخرى.. لذلك فقد كان التدخل الروسي في سوريا اضافةً للحد من نفوذ الثوار والثورة السورية على الساحة القتالية.. يهدف الى:
- اضعاف التأثير الايراني على مجرى الاحداث السورية، وعلى ما تبقى من نفوذ لنظام الاسد.. بل حتى وضع حدٍ له..
- امساك روسيا بالساحل السوري، عبر التواجد الدائم في قاعدة حميميم الجوية والقواعد البحرية في اللاذقية وطرطوس..
- وضع حداً لطموح ايران في مد خطوط انابيب النفط والغاز الايراني عبر العراق وسوريا وصولاً الى بانياس ومدينة طرابلس اللبنانية لتصديره الى اوروبا. والمشروع الايراني لا يخدم المصالح الروسية مطلقاً بل يشكل عاملاً منافساً ومضراً بالاقتصاد الروسي الذي يعتمد على بيع الغاز والنفط لدول اورويا...
- اذا كانت حماية ما تبقى من نظام وسلطة للاسد في سوريا تتطلب تدخلاً عسكرياً روسياً مباشراً، لذا فإن التخلي عن النظام الحالي وبشار الاسد شخصياً لا بد مقابله من مكاسب سياسية وامنية واقتصادية توازي التكلفة العسكرية وثمن المغامرة القتالية على الساحة السورية التي تورطت فيها موسكو ..
اما بالنسبة للولايات المتحدة والتي ماطلت كثيراً في تنفيذ تدريب وتسليح ثوار سوريا، وفي الموافقة على المطلب التركي بانشاء مناطق عازلة لحماية المدنيين السوريين شمال سوريا تحظى بحماية دولية.. فقد اكدت حضورها ودورها على الساحة السورية على الشكل التالي:
- قامت الولايات المتحدة بتدريب وتسليح الاكراد السوريين والعراقيين خلافاً لرغبة وموافقة تركيا .. التي تعتبر ان الميليشيات الكردية سوف تسعى لبناء واقامة دولة كردية في شمال سوريا وتتواصل مع كردستان العراق وبالتالي سوف تؤثر سلباً على واقع اكراد تركيا، وهي التي تواجه ميليشيا حزب العمال الكردي الذي يخوض حرباً على تركيا ...
- قامت الولايات المتحدة بقيادة وادارة قوات التحالف الدولي في قصف وملاحقة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) .. وبالرغم من ان تركيا عضو فاعل في هذا التحالف وشريك اساسي في حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الا انها لم تحظ بالرعاية السياسية والعسكرية الكافية من قبل الولايات المتحدة ودول الحلف بعد اسقاط الطائرة الروسية وتوتر العلاقات بين انقرة و موسكو ..
- قامت الولايات المتحدة بتجهيز وتحديث مطارات عسكرية سورية في المناطق الكردية وقامت بانزال عناصر من قوات المارينز في هذه المطارات لادارتها وتجهيزها.. مما يعني ان التواجد الاميركي على الاراضي السورية اصبح موازياً للوجود الروسي في سوريا..
- منعت الولايات المتحدة الدول الحليفة للثوار من تزويدهم بالسلاح النوعي لمواجهة الطائرات السورية كما الروسية المغيرة على المدن والقرى السورية. وهذا معناه اطالة امد الصراع وابقاء اليد العليا لمن يملك طيران.. كما يشكل هذا القرار حماية مباشرة للطيران الروسي الذي يقصف بغزارة في سوريا .. بموافقة اميركية..
كما اخرجت موسكو طهران من المشهد السوري جزئياً.. كذلك فإن الولايات المتحدة قد حدت من تأثير انقرة على الواقع السوري.. لذا فإن المشهد العسكري الروسي كما الاميركي في سوريا متوازن ومتناغم، فكان لا بد من ان يتكامل في الغايات والاهداف والخطط والتنفيذ.. لذلك فإن كل المؤشرات تدل على ان الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا والذي كان يهدف الى اسقاط حكومة اردوغان وسلطة حزب العدالة والتنمية، جرى بمباركة ومعرفة وموافقة من قبل الولايات المتحدة .. تلبيةً لطلب موسكو وفلاديمير بوتين.. كثمن موضوعي مقابل التخلي عن نظام بشار الاسد... وقبول الانخراط في المرحلة الانتقالية.. حتى تبقى خيوط الحل كما الصراع بيد الدول الكبرى لا بيد الدول الاقليمية.. ( إيران وتركيا ) بحيث لا يخرج نظام اردوغان رابحاً من عملية تغيير النظام السوري، خاصةً بعد ان تردد ان اللواء علي حبيب وزير الدفاع السوري السابق.، كان مؤخراً في زيارة انقرة والتقى قادة الجيش التركي، وان اسمه مطروح بقوة لمشاركة مناف طلاس في قيادة حكومة انتقالية تمهد لخروج بشار الاسد من السلطة... مما يجعل من اردوغان وتركيا الرابح الاكبر من عملية التغيير هذه.. ويعطي اردوغان كما تركيا دوراً اقليمياً فاعلاً ووازناً خاصةً بعد التفاهم التركي – الاسرائيلي، وسعي تركيا للتفاهم مع النظام المصري.. وفتح صفحة علاقات جديدة معه... اضافةً الى دورها الايجابي في التحالف المناهض لتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ).. ورعاية شؤون النازحين السوريين والاعلان عن رغبة تركية في تجنيس نازحين سوريين..
من الملاحظ انه في موسكو وتعليقاً على الانقلاب، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، ليلة السبت: ( إن تركيا هي قوة إقليمية مهمة، واستقرارها له تأثير مباشر على الوضع في المنطقة)... في حين ان جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة وتعليقاً اولياً له على الانقلاب قال: (نأمل في أن يسود السلام و "الاستمرارية" في تركيا..).. التصريحين الروسي والاميركي لا يشيران ابداً الى ادانة الانقلاب، بل يؤكدان على ضرورة استمرار الاستقرار في تركيا.. لما لها من وزن اقليمي بالنسبة لروسيا، ومن دور اساسي وفاعل في حلف الناتو بالنسبة للولايات المتحدة...؟؟ وكانا في انتظار نتائج الانقلاب والاعلان عن سيطرته على مفاصل تركيا ..
لذا يبدو ان الانقلاب العسكري قد اعد على عجل تطبيقاً للاتفاق المستجد بين روسيا والولايات المتحدة، على اثر اللقاء الاخير الذي تم بين بوتين ولافروف وجون كيري... والذي يقضي بازاحة اردوغان مقابل تنحي الاسد.. بحيث لم يحظ الانقلاب بالتخطيط الكافي ولا بتجنيد وتامين الدعم السياسي الحزبي والشعبي الداخلي الكافي له.. مما ترك الانقلابيين عرضة للادانة كما للإفشال والقضاء على حركتهم بسرعة قياسية، كما لا يجب تجاهل دور الشعب التركي الذي رفض منطق الانقلاب والعودة لحكم العسكر مجدداً، اضافةً الى موقف الاحزاب المعارضة التي وقفت بقوة ضد الانقلاب وسلطة الجيش..
ان من الممكن القول ان الانقلاب كان اميركياً في قراره.. ولكن نتائجه لم تكن متوافقة مع الرغبة الاميركية في تحقيق المطلب الروسي... وما علينا سوى انتظار النتائج والتداعيات، وكيفية تعاطي حكومة اردوغان وحزب العدالة والتنمية مع هذا الانقلاب .. سواء في الداخل مع مؤسسة الجيش او مع الولايات المتحدة ... خاصةً وان اردوغان وسياسيين اتراك اخرين اشاروا الى دور مجموعة (غولن) في تنفيذ الانقلاب مع التلميح الى انه موجود شخصياً في ولاية بنسلفانيا الاميركية.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة