إجازة في اللغة العربية
إنه اللغة..!
حين تحيطُ بنا الظلمة.. ولا يعود أي صوتٍ ينفذ إلى داخلنا.. تصبح الحياة التي حولنا خرساء تمامًا.. إما أنها خرساء .. وإما أننا مصابون بالصمم!
لقد حدث معي هذا .. كان العمرُ في بدايته.. كان الأصدقاءُ مجرَّدَ وهمٍ.. كان القلْبُ بِكرًا، لم يمسسهُ سوءٌ أو حُب! كان العقلُ جائعًا إلى المعنى.. كانت الروحُ طفلةً تتعثرُ وتقف، تتعثر وتقف.. تتعلَّم المشيَ في أزقةِ الحياةِ دونَ أن تُدرِكَ شيئًا! لقد كان كل شيءٍ أشبهَ بالعمى..! لكنَّ نورًا خافتًا كانَ ينبعِثُ من فجوةٍ عميقةٍ .. صوتًا ناعمًا وحروفًا كثيرة تنزلِقُ مع التفكير.. وحين صفتْ الرؤيةُ، تبدَّى لي درب وحيدٌ فسيحٌ ومبسوطٌ! أتعلمون ما هو ؟! إنه اللغةُ..!
لقد غمرتني اللغةُ بالدفءِ والحبِّ والنسيان.. لقد غمرتني غمرًا.. وجعلتني غامرةً بالحياةِ الحقيقية.. مغمورةً بالمعاني! لقد غمرتني كما لم يغمر شيءٌ شيئًا في هذا العالم..! لا شيءَ يشبه غمرة اللغة للإنسانِ.! حتى الأم.. قد تتلهى! والظلُّ قد يبتعد! الرداءُ قد يتشقق ويتمزق..! الأبوابُ، قد تنكسر! كل شيءٍ قابلٌ دونَ اللغة أن يتلاشى.. وأن يتلاشى معه الشعور بالاحتواء والدفء!
إنها الـ (نون) في سورة القلم..
إنها اللغةُ التي تتفشى في أعماقِكَ مثل الهواء، ثم تنكمش وتتجمَع في هيئة المعاني، لتُبعَث منك، فتنبَعِثَ معها.. تحشرك إلى ذاتك.. فتتعرفها ، وترى كلَّ شيءٍ!
تغمرُكَ.. بعد أن ينصرفوا عنك، تأتيك بالمدِّ بعد جَزْرِهِم، تشرقُ فيك بعد غروبهم، تنجدك بعد أن يغرقوكَ في بحورهم، تسقيكَ بعد أن يحاصروك باليباس.. تشفيكَ بعد أن يتفشوا كالآلامِ في وجدانك!
اللغةُ تغمرُكَ .. كأنك تستنبتُ من العدمِ وجودًا ومن اليأس أملا، ومن الضعفِ قوةً لا تدرِكُ من أينَ استنبتَّها ولا كيفَ طرأتْ فيكَ..
وكالسحر.. لا يعودُ للظلمةِ حولك أيُّ معنًى، فأنتَ لديكَ مصباحُكَ! ولا يعودُ للصوتِ الذي لا ينفذ إليك أيُّ داعٍ، فأنت لديكَ نشيدُكَ الخاص! ولا يعود للعمرِ الذي يمضي أي شيخوخةٍ أو شبابٍ ، فأنتَ لديكَ ذاتُكَ التي لا تتآكلُ أو تصدأ مع الوقت!
لكنك وبرغم هذه اللغةِ..
برغم كلِّ هذه القوةِ الكامنةِ فيك!.
برغمِها.. ورغما عنها
تظل كائنًا لا يتوقف عن البكاء!
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة