ما لا تعرفه عن غزة!
كتب بواسطة يوسف محمد أبو حسين
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1369 مشاهدة
دخلت المتضامنة التونسية تُحدِق أنظارها في المبنى يمنة ويسرة بشكل لافتٍ وباستغراب هي وزوجها، وقد بدا عليها مظاهرُ الالتزام والتدين والاحتشام، سألتُها كيف وجدتم غزة ؟ فقالت: وجدناها مختلفةً عن الصورة التي رسمناها في أذهاننا، عندكم مكيفات، مبانٍ ضخمة، شوارع مسفلتة، وهناك عدد عدد كبير جداً من السيارات، قاطعها زوجها وقال : غزة بلدٌ غالية الثمن لم نكن نتوقع أن تكون كذلك.
وقبل أحداث الثورة الليبية قابلتُ وفداً تضامنياً ليبياً من الشباب، كانت الفرحةُ لا تسعهم بعد وصولهم غزة، سألتُهم كيف وجدتم غزة ؟ فقال أحدُهم : أينما أدرت وجهك فيها تجد الأطفال الصغار بأعداد كبيرةٍ جداً في الشوارع وفي كل مكان مع ابتسامةٍ مصحوبةٍ بالدهشة، وحدثي آخرُ قال : المباني الموجودة هنا لا يوجد مثيلٌ لها في ليبيا.
كثيرون يعتقدون أن غزة كومةٌ من الدمارلا روح فيها ولا حياة، يعتقدون أنها أرض بورٌ قاحلةٌ من كل شيء عدا عن صوت الرصاص ورائحة الموت، والحقيقة أن غزة مثلَها مثلَ كل المجتمعات في العالم مع بعض الاختلافات والفروقات، فيها الأسودُ والأكثر اغمقاقاً والأبيض والأكثر نصاعةً فيها الرمادي المائلُ للسواد والرمادي المائل للبياض وأنا هنا أتحدث عن كل اتجاهات الحياة وأصنافها وألوانها.
في غزة مباني ضخمة كلفت ملايين الدولارات، في غزة وحوش أعمالٍ كبار يأكلون الأخضر واليابس ولا يرحمون أحداً ويعيشون على معاناة الناس في أبراجٍ عاجية، في غزة مباني متوسطة، في غزة بيوت قصفها الاحتلال ولم يُعد بناؤها حتى اليوم وأصحابُها يعيشون في بركساتٍ وخيمٍ يحرقهم حرُ الصيف يقرُصهم بردُ الشتاء.
وآخرون مسحوقون في غزة لم تقُصف منازلهم، بقدر ما قُصفت مشاعرُهم، قُصفت أحلامُهم ، قُصفت كرامتُهم في الوقت الذي لا يستطيعون فيه تدبير أدنى متطلبات حياتهم الأساسية. قال لي أحدُهم مرةً "يوم الجمعة تغذيتُ أنا وعائلتي علبة فول" وآخرون في غزة حتى علبة الفول لا يجدونها في بعض الأوقات.
هذه الحياة كُلها بصخبها وضجيجها، بغنيها وفقيرها، بقويها وضعيفها، بكبيرها وصغيرها، فوق الأرض، أما تحتها، فكلهم سواسية، المدينة فوق الأرض تختلف عن المدينة تحتها،، تحتها مجموعةٌ تسلم أخرى على مدار الساعة، يحفرون تحت كلِ مبنى، تحت كل زقاق، تحت كل حارة، في غزة تحت الأرض، لا يتنافسون على جمعِ مالٍ أو الجلوس على كرسي كبير أو على كعكةٍ يتقاسمونها.
التنافس الوحيد من يحفر ميترات أكثر، ومن يجهزُ نفقَا أبكر، استعداداً لأي معركة قادمة مع المحتل، تحتها فقط تضيع كلُ الفروق ويكون الهدف واحد.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة