شقاء الأبد
من السرور ما ينعش القلب وتهتز له الجوارح طرباً، هو السعادة التي منّ بها المعطي تعالى شأنه على عبده، فأجرى على قلبه حلاوةً لو علم بها الملوك لقاتلوه عليها بالسيوف.
ومن السرور سرور يبدو على الجوارج لا يلج إلى القلب منه شيء، فقد يقهقه صاحبه وقد يتطوح ويرقص، وقد يغني ويجحظ بعينيه؛ وما ذاك إلا السرور الكاذب.
إذا رحت تفسّره، فإنك ستجد خلفه إنساناً مريضاً يعاني الذّلة والشقاء في قلبه، ويكابر جهد استطاعته ليُظهر لغيره عكس ما يجده، وسبب ذلك : الاستكبار الذي يملأ أركان نفسه، أو تخوفّه من الشامتين...
ومن مثل ذلك السرور سرورُ الطغاة ومجرمي الأرض، الذين ينعقون ويضحكون ويصفقون...!
علامَ يفرح هؤلاء !! على حفظ أمانة الشعوب، على العدل بين الناس ومتنفس الحرية اللذين جعلا الفاروق يقتص للمصري من ابن وليه على مصر؛ عمرو بن العاص، ويقول له: ( مُذ كم تعبّدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟).
أم على فائض الميزانية التي احتار بها الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز ماذا يصنع بها؟
أم على الوعي الذي بلغ في العصر الحاضر أن جعل خصوم الحكومة التركية وموالينها في خندق واحد ضد غدر الانقلابيين ؟!..
على ما يفرح أولئك!! على الأطفال الذين يغتالون أحلامهم ،أم على النساء التي يسحلون جثثهن، أم على البيوت التي يُدمرون أثاثها وحجارتها..!!
إنه السرور المزيف؛ يخفي وراءه ثلاث لعنات: لعنة الأطفال ،ولعنة النساء، ولعنة الحجارة؛ التي تتهاوى على صاحبه فتذيقه شقاء الأبد.
فرِح قارون فرح المالية حتى قال لقومه :} إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِ{ .
وفرح فرعون فرح الحاكمية فقال لقومه: } مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى{ .
فقال في حقهما جل جلاله: } وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{ .
ألا ليت الثعلب _الوصف الذي أطلقه أفلاطون على الطاغي الذي يمص الدم بلسانه كما يفعل الثعلب _ يتَّعظ من خاتمة من سبقه في الكبرياء المزعوم والسرور المزيف؟
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة