لا أُحبُّ الأدعياء
في أحد شوارع عمّان التي لا تعرفُ في متونِ مسائِها الصّيف من الشتاء، قال لي أحدهُم "الشعب السوري دمّر بلاده"، رمقتهُ بازدراء ثمّ قلتُ له "أهل سوريا أدرى بحمارِها"، مستذكرًا تعليقًا كتبهُ أحد الأصدقاء عندي وهو أردني من الزرقاء عندما قرأ شيئًا مماثلًا "الله يسامحك يا أحمد حمار جارنا حردان بعد حكيك".
أدعياء الحياد، أولئك المتذبذبين في مواقفهم، أو بالأحرى أصحاب اللا موقف، الساقطون على المعادلة زورًا، كثيروا الشكوى والتذمّر، يذكرونني أيضًا بمقولة مديري في العمل حين يختزل خبرًا قد حررتهُ ويختصر منه أشياء تستدعي سؤالي عن سبب حذفها فيجيبني "هرش عِدّة لا داعي له".
بحكمِ اختلاطي بأشخاص ساقني الزمن لمعرفتهم -ولعلني سأقاضيه لاحقًا- أدركتُ تماماً صِدقَ مثلٍ شعبي كانت أمي تردده كثيرًا "ما بحك جلدك غير ظفرك"، وأيقنت بما لا يدعُ مجالًا للشك، أن الغالبية الساحقة يظنون الحياة تدور حول ثالوث مقدس فحسب، وهو الطعام والشراب والنوم، وهنا يحضرني قول الله "إن هم كالأنعام بل هم أضل"، هؤلاء لا مشكلة عندهم في أن يكونوا عبيدًا أو قِطعانًا تُساق، أو حتى قاصيةَ القطيع، وهنا أيضًا أتذكر قولًا لأحد أساتذتي الأفاضل في كلية الإعلام "في ناس حالفة تسلم مخها مثل ما استلمته"، ثم أحاول بيني وبين نفسي أن أجد لهم أعذارًا فأقتبس شيئًا من قصيدة لأحمد مطر يقول فيها :"احتمالان أمام الشاعر الحر إذا واجه أسوار السكوت .. فإما أن يموت وإما أن يموت"، لكنّ شيئًا في كبرياء النفس الإنسانية التي كرمها الإسلام وصان لها الحقوق يمنعُ أي عذرٍ لهم، فيشق عبابَ الاعتذارات بيتُ شعر لأحمد شوقي قال فيه:"قِف دون رأيك في الحياة مجاهدًا .. إن الحياة عقيدةٌ وجهادُ".
أيها الأدعياء، المتسولون على أرصفةِ الانهزام، أيها الجياع الذين لا يشبعون، يا حملةَ المظلات والسماء تمطرُ حريّة، أيها العاطفيونَ السُّذَج، أنتم لستم إلا فضلاتٍ يُعيد إنتاجها الوقت، كنتُم عيدانا في دواليب كلّ الثورات فانكسرتم وسارت قوافل الثائرين.
في الثورة السورية - الثورة السورية - اقرأوها جيدًا لأنني أعلم أنكم ستمرون على ما كتبت، الثورة وليست الأزمة وليست الحرب الأهلية، والثوار ليسوا متمردين ولا خارجين عن القانون، نحنُ طُلابُ حق وصُناعُ غد وبُناةُ مستقبل، ورُوادُ فكرٍ وحضارة.
عندما كنتَ صغيرًا لمّا تبلغ الخامسة بعد من عمرِك، إذا أخذ طفلٌ آخر شيئًا لك تستقتل لتستعيده وقد يهطل من عينيك بئرُ دمعٍ عليه لأنه ملكُك، ونحن كنّا مسلوبي الوطن والحرية، مسلوبي الهُوية والإرادة، مهضومي الحقوق، فثرنا لنستردّ ما نُزعَ منّا، فلا تلُمنا في شيءٍ فعلناهُ عندما كبُرنا وفعلتهُ أنتَ صغيرًا .
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة