طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
وأخيراً وجدت نفسي
في خضمِّ أحداث يومي المزدحم، أمام المرآة... نظرْتُ إلى الصُّورة الشَّاخصة أمامي، فوجدتُ شابَّة نضرة الوجه، نظرتُ إليها فكدتُ لا أعرفها! لمستُ وجهي وخصل شعري فخيِّل إليَّ أنَّني أنظر إلى وجهٍ قد حفرت فيه السنون الأخاديد وألمس خصلاتِ تمشَّحت ببياض المشيب... تملَّكني الرُّعب حينها وتساءلتُ في نفسي، "أسأنظر إلى المرآة في خريف العمر لأكتشف أنني بالكاد أعرف من أكون؟! أهكذا سيمضي العمر؟" أشَحتُ بنظري عن المرآة عازمةً على خوض الرِّحلة الأطول في حياتي، ولعلَّها الأصعب...
أردْتُ أن أجد متنفَّساً، فلم أجد متنفَّساً لنفسي خيراً من نفسي ذاتها... سأسافر، إلى مكانٍ بعيدٍ لم يطأه أحد... حزمتُ كلَّ ما أحتاج إليه في سفري من عزمٍ وصبرٍ وحكمةٍ ونباهةٍ، وخطوْتُ خطوة إلى الأمام.
وجدتُ نفسي في غابة ذات أشجار عالية وأغصان متشابكة منعتْ أشعَّة الشمس من المرور خلالها، فأمست الغابة مظلمة، وترابها متعفِّنٌ نتن، لا يسمح لبذور الخير أن تنموَ فيه... أدركتُ أنَّه عليَّ أن أسمح للنُّور بالعبور، كي أجني الثمار.. أخافتني فكرة قطع الأشجار التي وُجدَتْ منذ مولدي واشتدَّ عودها مع اشتداد عودي، ولكنَّني حملتُ فأس العزم وانهلت على جذوع التقليد والعادة والتبعية والهامشيَّة فعَبَرَ النُّور، ولامستْ أشعَّة الشَّمس البذور المطمورة، وبانت معالم الطَّريق.
مشيتُ في الطَّريق وقد استنارت، فأخذتني إلى زنزانة صغيرة فيها فتاةٌ مكبَّلة، لم أستطع التعرُّف إليها لكثرة القيود التي تحيط بها. هرعتُ إليها وأزلتُ ما كُمِّمَ فمها به، فإذا بي أنظر إلى نفسي! عملتُ على إزالة القيود عنها، ولكنَّها كانت مُحكمةً حولها، قالت لي،" لا تحاولي إزالتها بالقوَّة، أنتِ تملكين مفاتيح القيود، ولهذا انتظرتك!" بحثت في جعبتي فوجدتُ كنوزاً، ووجدتُ المفاتيح التي أريد... فككتُ قيد الخوف بالتوكّل على خالقي، وقيد العبث بالنظام، وقيد الكسل بالإصرار...
وبعد ذلك نظرتُ إلى نفسي مجرَّدة من رواسب الأيَّام وقوالب المجتمع، نظرتُ إلى نفسي فرأيتها كما أريد أنا وليس كما يريدني الآخرون.. وأخيراً لقد وجدتُ نفسي بعد أن سَبرتُ أغوارها وعرفت دوافعها ومطالبها، فأحببتُ ذاتي واحترمتها.. لقد عرفتُ نفسي فعرفتُ ربِّي الذي سوَّاها، فما أعظمه من رب وما أعظمها من نفس...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة