طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
أمل
كتب بواسطة رغد دعبول
التاريخ:
فى : قصص
2741 مشاهدة
بينما بحث "باسل" عن أغصانٍ يابسةٍ ليشعل بها ناراً بيَأسٍ وهلعٍ، لم يستطع أن يطرد صورة ابنه الخديج الذي وُلد ميتاً منذ سنة بسبب سوء التغذية والأمراض المعدية التي عانت منها زوجته كما باقي المحاصرين. كانت الذكريات تحتلُّ ذهنه، فتكسو قلبه بالحسرة والألم. تذكَّر منزله الصَّغير الذي اكتظَّ بالأقارب هرباً من براميل الموت، وتذكَّر بأسىً كيف أمسكَ الطِّفل بين ذراعيه، وطبع على جبينه البارد قُبلة وداع قبل أن يدسَّه في التراب... وما أشبه اليوم بالأمس، بل ما أتعسَ اليوم وما أرحمَ الأمس، فها هي زوجته تأنُّ من آلام المخاض في خيمةٍ تكاد تقتلعها الرِّياح، مكتظَّة بالأقارب الذين نزحوا من مدينتهم المحبوبة بعد أن أصبح البقاء فيها مستحيلاً.
خشيَ باسل أن يكون مصير طفله هذا كمصير طفله الأوَّل، فزوجته التي أنهكها الحصار لم تزدد إلَّا وهناً بعد النُّزوح، خاصَّة بعد شحِّ الغذاء والبرد القارس. خرج كي يشعل ناراً علَّها تبعثُ في جسد زوجته دفئاً يعينها وطفله على الحياة.
كانت الثلوج تغطِّي كل شيء، فرضخت بعض الخيام تحت وطأة الثلوج المتراكمة. استغلَّ باسل تداعي بعض الخيم المجاورة، فأخذ الأخشاب التي كانت تقيم صلب الخيام وعاد أدراجه مسرعاً نحو خيمته وشرع يحاول أن يشعل ناراً داخل الخيمة علَّها تزيد من فرص نجاة طفله.
كانت الرِّياح تمرُّ من بين شقوق الخيمة جاعلةً كل محاولات باسل لإشعال النَّار تبوء بالفشل. أشرق وجهه سعادةً عندما اشتعلت النَّار أخيراً، أخذته السَّعادة بعيداً، فرأى نفسه يلاعب طفله إلى جانب النَّار، رآه يحبو ثمَّ يمشي، ثم رآه يكبر ويشتدُّ عوده، رآه رجلاً يحرِّر مدينته المُدنَّسة.
وبينما كان باسل غارقاً بأحلامه، هبَّت رياح عاتية، فانطفأت النَّار بلمح البصر. تهدَّم حلم باسل، ورأى في دخان النَّار المُخمدة شبح الموت. اغرورقت عيناه بالدُّموع، وخرج مسرعاً علَّه يجد مصدر دفءٍ آخر. وحالما خرج، سمع صوت صرخة خجولة صادرة من زوجته مؤذنة بولادة الطِّفل. حبس باسل أنفاسه، مترقِّباً صرخة الحياة من طفله.
مرَّت اللَّحظات كأنَّها سنين، وبينما انتظر عصفت رياح عاتية فانهار جزءٌ من الخيمة. شعر في قرارة نفسه أنَّه سيحمل طفله جثَّة باردة كما حمل طفله الأوَّل. وفي أعمق مراحل يأسه، سمع صوت بكاءٍ صادرٍ من تحت الأنقاض. أزال القماش الذي كان يشكِّل سقف خيمته، فوجد امرأة تحمل الوليد. قالت مستبشرة: " زوجتك بخير، وطفلتك كذلك!"
حمل باسلٌ طفلته، وطبع على جبينها الحارِّ قُبلةً وضمَّها إلى صدره، نظر إلى وجهها وقال:" سأُسميها "أمل"...
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة