مشاعر باردة
لقد ألِفتَ المشهد الذي يذيب أكبادَ الوحوش بعد أن تكرر على مرآك مراراً وعصرتَ عينيك بين يديه أوّل مرّة. وما ذاك إلا لأن اعتيادك على الشيء يُنسيك الإحساس به. فهل تبلُّد هذا الإحساس أقصاكَ عن واقعك: عن سماع أنين المشرفين على الموت تحت الأنقاض، عن صوت المظلومين الذين يُعذَّّبون في السجون، والأطفال الذين يَئنّون على فُرُشهم من غير طعام، والمحاصَرين الذين يموتون من قلّة الدواء؟؟ هل أقصاك عن دعاء الثَّكالى والأرامل الذي تضج له السماء، فاعلم عندئذٍ أنك تعيش مخدّراً على هامش حياةٍ عنوانها: ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يصبح ويُمْسِ ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامّة المسلمين فليس منا)) كما في الأثر.
إن هذا الإحساس الباهت يصبح أشدّ خطراً على صاحبه في حالتين اثنتين:
• الأولى: عندما يعتاد رؤية الظلم وغُصَص المظلومين فلا يتحرك له ساكنٌ من نفسه، ولا يَنْبَسُ ببنت شَفَة. بل يلتزم السكوت ثم السكوت...
وهذا داءُ جُلِّ المسلمين اليوم: شعوباً تلهيها مساعي الأطعمة والأشربة، وأنظمةً تتلمَّس كراسيها خوفاً من أن تطير...
• الثانية: عندما يعتاد الآثام، ويعتاد المشي إليها ومقارفتها، ثم تسير حياته بطولها في غاشية من الغفلة، من غير يدٍ توقظه، أو مصيبةٍ تُحْيِيه فيفرّ إلى الله يستغفره ويتوب إليه.
إن عرفت ذلك، عرفت أنّ المشاعر التي تجتاح حياة الناس نوعان:
ـ مشاعرُ راقية معجونةٌ بماء اليقين وبحرارة الإيمان، تدفع صاحبها إلى التضحية، والمُضيّ في درب الفضيلة، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
ـ ومشاعرُ باهتةٌ بليدة، تزلّ بأقدام أصحابها فتُودِيهم المهالك.. تُغري الأعداء فيُمْعنون في جريمتهم، وترخي الأصدقاء فيتخاذلون..
ليعلم أصحابها من عامّة الناس وخاصّتهم_ الذين ربما يحدِّث كل منهم نفسه ليل نهار: (لا علاقة لي فُخّار يكسر بعضه) _ أن لهذه المشاعر الإنسانية رَحِماً وقُربى: من وصلها وصله الله، ومَن قطعها قطعه الله!!
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة