العملية التربوية تحدّيات
ما عادت المدارس في لبنان تعني للعديد من الطلاب _ وقد لا أبالغ إن قلت: السواد الأعظم منهم _ غير طريق وَعِر يهابه الصغير والكبير، ويُرغم الكلُّ على عبوره مثقلاً بما يطيق وبما لا يطيق.
فتجد الأهلَ يكابدون والمدارس تئن والمعلمين لسكرات الفشل والاستهتار والتسرب يجاهدون وما هم بمفلحين.
الكلُّ يتخبَّط محاولاً إيجاد مخرج يُنقذ به هذه الأجيال وما يليها من ضياع بات شبه محتوم.
لقد أدرك جُلُّ الذين تنصَّبوا ربَابِنَةً في ميدان التربية والتعليم أنَّ العلم نور، وفاتهم أنَّ العلم إنْ أضاء درباً بات من الصعب على سالكه أن يغمض عينيه عما يرى أو يتصنَّع العمى.
لم ينتبهوا أن أنوار العلم قد ملأت كلَّ مكان وما عادت محصورة بين الجدران والأبواب والكتاب، وأنَّ (التكنولوجيا) قد أتاحت لممتطيها بلوغ السحاب.
لم يقارنوا بين ما كان وما يكون، ولم يبنوا على أساسه ما يجب أن يكون، فتركوا ما وضعه السابقون، ليبتلعه اللاحقون وهم مرغمون، وهيهات هيهات لما يوعدون.
فوَصل الحال إلى ما وصل إليه؛ طلاب متقزِّزون فارُّون من مناهج وعلوم؛ هي عن عالمهم أبعد ما تكون، لا تواكب عصرهم ولا حضارتهم، ولا تخدم واقعهم ولا ما إليه يصبُون. قوامها مواد متراصَّة متزاحمة، ما التفتوا لمعظمها لولا الحرص على نيل العلامة.
زد على ذلك ساعات العمل اليومي، وما يندرج ضمنها من تجوال الباصات الصباحي وبرنامج الدروس الحصصي ورتل الواجبات اللامتناهي.
وصار الشرخ يزداد يوماً بعد يوم حتى باتت حكايات الطلاب الأولين أشبه بأساطير عَتت عليها السنون.
فعُقبة بن أبي سفيان _ على سبيل المثال لا الحصر_ حين دفع أبناءه إلى معلمهم قال له:" إنَّ أعينهم معقودة بعينيك، فالحَسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت".
وها نحن اليوم أمام جيل قد انعكست عنده الآية؛ فما عادوا لأهلهم مجلِّين حتى يكونوا كذلك لمعلميهم، بل على العكس باتوا لا يجدون في كلا الفريقين غير مطالب تُرديهم وتزيدهم نفوراً وإعراضاً.
لقد أضاف (عقبة) في كلامه فائدة جليلة حين نصح معلم أبنائه جعلَتني أتوقَّف عندها، وأتصوَّر وقعها لو استفاد منها المسؤولون وهي قوله: "وكنْ لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء".
نعم هذا هو الأهم أن نعرف الداء قبل أن يعجزنا الدواء، فحال طلابنا باتت حالة مرض متفشٍّ تستدعي دراسة شاملة واعية متأنيَّة؛ تطلقها وزارة التربية والتعليم فتدرس واقع العصر ومستجداته وما طرأ على العلوم من تيسير وانفتاح، وتستفيد من تجارب الدول الرائدة فتختار ما يتناسب مع قدراتها وإمكاناتها بما يؤمِّن سيرها واستمرارها وتطورها؛ وإن على المدى البعيد. وتؤمِّن ما يسدُّ رغبات الطلاب ويوجِّههم الاتجاه السليم ويرتقي بهم إلى ما به حياتهم تستقيم.
وتُخضع الهيكلية التعليميَّة والإداريَّة لسلسلة دورات تربويَّة ووُرَشِ عمل؛ تعينهم على اكتساب مهارات في التعامل مع الأنماط الجديدة من الطلاب، ومع المناهج المستحدثة العصرية، وسُبل التغيير والتحديث في سياسات المدارس، وكيفية تلاؤمها مع كلِّ ما هو جديد، فيتعدَّل المسار وينجو الجميع ويعود للعلم عهده القديم.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن