الصدق والمصداقية
رغم أن كلمتَي الصدق والمصداقية مشتقتان من نفس المصدر، ورغم أنهما تبدوان مترادفتين؛ إلَّا أنَّ الحقيقة غير ذلك، فلا مصداقية بدون صدق، لكن قد نجد صدقاً بدون مصداقية.
الصدق: هو أن أصف الشيء أو أنقل الأحداث كما هي بدون تغيير أو تبديل.
أمَّا المصداقية فلها معانٍ عدَّة، منها: مطابقة العمل للقول، فكما هو معلوم أنه من السهل جداً أن نتكلم ونعطي نصائح وأحكاماً، لكن عند العمل والتنفيذ يتبين مدى مصداقيتنا والتصاقنا بمبادئنا.. إنَّ مخالفة عملنا لقولنا ينتج عنه انخفاضٌ شديدٌ في مصداقيتنا والثقة بنا عند الآخرين، وهذا المعنى للمصداقية معروف للجميع.
أمَّا المعنى الآخر للمصداقية فإنَّه يغيب عن الكثيرين، حيث لا يكفي أن أنقل الأحداث بصدق فقط، بل لا بدَّ من أن أنقلها كاملة، وأن أعطي صورة شاملة وموضوعيَّة عن الأمر الذي نتحدث عنه أو نناقشه، إنَّ التركيز على جزء واحد من الصورة الكاملة، وذكره باستمرار، حتى وإن كان حقيقياً وصادقاً؛ إلَّا أنَّه يعطي انطباعاً كاذباً عن الواقع، يغترُّ البعض بأنَّه لا يكذب، وأنَّ كلّ ما قاله قد حدث بالفعل، ويستدلُّ بذلك على صدقه، وهو لايدري أنَّه وإن كان صادقاً إلَّا أنَّه فقدَ المصداقيَّة. إنَّ إخفاء الحقائق التي لا تريد للطرف الآخر أن يعرفها، أو التي تعارض فكرتك؛ لا يقل سوءاً عن التلفيق، وإنه لا يسمح للمتلقِّي أن يرى الحقيقة من كل جوانبها، وهذه المصداقيَّة أكثر مَن يفتقدها هم الإعلاميون عبر الجرائد والقنوات، وكذلك حالياً الإعلاميون الجدد من روَّاد مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن أنواع عدم المصداقية المنتشرة خاصة في أساليب التسويق سواء للذات أو للخدمات والمنتجات، هو "الإيهام"، كمثل ذلك الكاتب الذي اشترى بنفسه جميع نسخ كتبه من المكتبات، كي يوهم القرَّاء أنَّ كتابه قيِّم وعليه إقبال. وذاك الذي افتتح قناة على اليوتيوب، واشترى لها عدداً كبيراً من المشاهدات لتصعد بفترة وجيزة إلى قائمة الأكثر مشاهدة وتوهم الجمهور بقيمتها. والبعض يُنشئ عدة حسابات ويقوم بالتعليق ومدح منتجه من حسابه الآخر.. وهناك خدع تسويقية كثيرة، ومع أن البعض يعتبرها من حقِّ المسوِّق، إلَّا أنَّه بالتأكيد علينا أنْ نتحلى بوعي كافٍ كي لا ننخدع بمثل هذه الطرق.
ومؤكَّد أن احترامنا لأنفسنا أوَّلاً واحترام الآخرين لنا؛ يتعلق بدرجة كبيرة بمدى مصداقيتنا، وليس صدقنا فقط. لذا فلنحرص على التحلي بها.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة