عالمان
في عالم الأرواح .. لا فرق بين صغير وكبير .. شاب أو شايب .. قريباً كان أم بعيداً .. معلمتها إنسانة غاية في الرقة والنعومة واللطف .. تحب الورود وتعشق الفل وتسعدها رؤية الياسمين وتنعش قلبها أمواج البحر وندى الصباح وحفيف الأشجار حين يداعب الهواء ثوب الطبيعة الأخضر الفتان فيهتز وتنكشف الثمار المشمشية والتفاحية والعنبية .. يأسر قلبها كتاب ديني بأسلوب يمس شغاف الروح ويطير بها في الأفق البعيد لترتقي وتبعد عن ماديات الأرض والجسد ..
الفارق بينهما أكثر من عشرين عاماً إلا أنها تتمتع بالحديث إليها .. حين تتعانق العيون المشتاقة وتنساب الدموع الملتاعة عندما تتحدثان عن الكعبة والحرم المدني .. تشعر وكأن الملائكة تحف بمجلسهما الفياض بمشاعر حب وتقديس لرب كريم ونبي رحيم عليه الصلاة والسلام .
ابنتها تغار من تلك التلميذة التي لازمت معلمتها سنوات وسنوات ثم فرقهما الدهر وبعد غياب أكثر من خمس عشرة سنة شاء رب كريم أن يضم هاتين الروحين مجلس فتعانقت الأرواح والتقت قبل أن تلتقي العيون وتتصافح الأيدي .. ضحكت تلك التلميذة ضحكتها المعروفة ذات الصوت المتمرد على الأحزان ومتاعب الأيام ابتسمت المعلمة ونظرت نحو مصدر الصوت .. قالت بهدوئها الجليل :
ـ كيفك يا منى ؟ زمان عنك يا بنتي .. وطي صوت ضحكك ..
وكأن ذلك الصوت الهادئ لم يفارق مسامعها منذ سنين .. وكأن تلك النبرة الحنونة لم تغب وعادت بها الذكرى إلى ذلك البيت المتواضع الصغير لما كانت تتلقى فيه على يد معلمتها فنون التلاوة والتجويد والأخلاق والفقه .. وكأنها تسمع صوت معلمتها تنهرها بصوتها الضعيف الممزوج بابتسامة تحاول إخفاءها إلا أن وجهها البسّام يأبى إلا أن يظهرها :
ـ منى إن لم تسكتي سأعاقبك ..
وعادت العلاقة أشد متانة وأقوى من ذي قبل .. فقد صارت علاقة أرواح لا تشوبها شوائب الدنيا .
المصدر : رابطة أدباء الشام
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة