ثمرات متعددة للدعوة إلى الله
إن ممارستي الطويلة للعمل الدعوي تختزن صوراً وتجارب عديدة، ساهمت بتوفيق الله في التغيير الإيجابي والالتزام الإسلامي بين النساء. لكن التجربة الأعمق التي أعتز بها والتي تركت أثراً كبيراً في نفسي، هي في تجاوز التغيير الإيجابي من المرأة إلى الرجل بشكل غير مباشر، وإليكنّ التجربة.
كانت زوجةً في مقتبل العمر وأمّاً لعدة أولاد، عندما تعرفت عليها للمرة الأولى أوجست خيفةً من التعامل معها، فإضافة إلى عدم التزامها الظاهري بالدين فإن ألفاظها، وأسلوب تعاملها تحمل الكثير من العادات الغربية، والسبب في ذلك – الذي علمته فيما بعد – هو اضطرارها للسكن خلال سنوات الحرب الطويلة في المنطقة الشرقية وتعاملها اليومي مع من يختلف عن أعرافنا وتقاليدنا فاكتسبت بعض تعابيرهم لكنها تحمل طيبة واضحة ورغبة في الاطلاع والتعلّم.
امتدت جسور الثقة بيننا بعد عدة زيارات، فهي تسكن قريباً من منزلي، واطلعت على الكثير من مشاكلها العائلية، أبدت رغبة في التعرف على مبادئ دينها الذي ابتعدت عنه، واظبت على الدرس الأسبوعي، بدأ التحول التدريجي في شخصيتها، وأول ظهوره كان عبر استخدامها تحية الإسلام والمفردات الإسلامية للشكر على المعروف، والإقلاع عن استعمال التعابير الغربية التي اكتسبتها سابقاً.. أصبحت تحضّ أولادها على تأدية الصلاة وتشجعهم على الالتزام الديني حيث آمنت بحرمة كتم المعلومات التي تتعلمها فكانت تمارس الدعوة أينما حلَت: أثناء ركوبها سيارة الأجرة، وعندما يتسنى لها الظرف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو في الصبحيات التي تجتمع فيها مع الأهل أو الجيران..
تأكد لي حسن معدنها وطيب خلقها، وتكررت الزيارات بغير موعد لأتعرف أكثر على ظروفها العائلية ومشاكلها الزوجية التي تفاقمت مع زوجها الذي كان معاقراً للخمر، سيء الخلق، سريع الغضب، نصحتها في كيفية تلافي غضبه ودعوتها إلى استئذانه وإعطائه حقوقه والسهر على راحته والتجاوز عن شتائمه التي كان يصبّها عليها يومياً.. استغرب تحوُلها وتأكد له أن السبب هو التزامها الديني الذي تنمّيه من خلال المعلومات التي تتلقّفها بلهفة.. بدأ يستمع لما تبلِغه له من علم ديني بعد رفض طويل لذلك، وأصبح يسأل عن الحلال والحرام فيما يعمله، ثم طلب منها تعليمه كيفية أداء الصلاة بطريقة صحيحة بعد تهاونه في تأديتها منذ الطفولة.. كنت أشعر بسعادة بالغة مع كل إقبال جديد على الطاعة، وتوّج زوجها عودته إلى الله بالإقلاع عن شرب الخمر. استكثرت على نفسي أن يكرمني الله بهداية رجل لم أجالسه ولم أتعامل معه بشكل مباشر، لكنه الفضل الإلهي الذي جعله يندم على تفريطه في حق الله خلال سنواته السابقة ويكثر من جلساته مع كتاب الله وإشغال وقته في المنزل بتلاوة الأذكار والمواظبة على الأوراد.
انتفت المشاكل الزوجية وحلّ حلو الكلام في تعامله الزوجي بدل الصراخ والمشاحنات الدائمة، وخفّت نقمته على المصاعب المادية التي يعيشها بعدما سكب الإيمان في نفسه الطمأنينة إلى غده.
سنوات قليلة قضاها في التبتل والتوبة ختم بها حياته بعد معاناة مع المرض ساهمت بإذن الله في تطهيره من ذنوبه وصدق رسول الله ﷺ الذي قال:".. إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".
كلما تذكرت صديقتي زوجها ترحّمت عليه وذكرتني بالخطوات التي ساهمت في عودته إلى الله، فيتصارع في نفسي الشعور بالفضل الرباني والانشراح والسعادة الروحية التي لا تضاهيها كل المتع الدنيوية.
فالحمد لله أولاً وآخراً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة