استفتاء الأكراد فرصة لقلب طاولة الاحتلال بالعراق والشام
غني عن التأكيد أننا وحدويون ورافضون للتقسيم، ولكن حين تغدو الأوطان محتلة من قبل محتلين داخليين وخارجيين، ولا شيء ينبئ في الأفق عن رحيله، فليس هناك بدٌ من أن تبحث عن بقعة تعيش فيها كبشر، مع الحياة البهيمية التي أرادها المحتل لكل مناطق السنة بالعراق والشام، ولعل البهائم أفضل حالاً، كونها لا تقصف بهذه الطرق الوحشية التي يتفنن بها المحتل.
أراد الكرد في العراق قبض ثمن مشاركتهم في حرب تنظيم الدولة سريعاً ومعجلاً، خشية من خذلان غربي وأميركي لاحقاً، وهو ما ألمح إليه السفير الأميركي السابق في دمشق وبغداد روبرت فورد، فجاء التصويت على الاستفتاء الذي أراد الكرد من خلاله تثبيت حقهم بالكعكة العراقية، وهي بالمحصلة على حساب المحتل الإيراني، ومن يحميه عسكرياً كأميركا وديبلوماسياً كروسيا، مما سيفتح جبهة بين الكرد وإيران وميليشياتها الطائفية التي سبق أن توعدت بأن تفتحها مع الكرد، حال الفراغ من تنظيم الدولة.
مثل هذه الحرب بين الكرد والميليشيات الطائفية في العراق، المدعومة إيرانياً، ستخفف الضغوط على الثورة الشامية، وستدفع بمقاتلي الكرد إلى العراق لمحاربة دولتهم الجديدة، تماماً كما حصل بدفاع تنظيم الدولة عن دولته التي أعلنها، أما قلق ومخاوف إخواننا في تركيا ضد الكرد فغير مبرر على الأقل على المدى القريب، ففتح جبهة تركية- كردية ستكون بالمآلات حرب وكالة عن المشروع الإيراني والروسي والأميركي، وستفتح جراحاً خطيرة وبعيدة المدى في العلاقة بين الترك والكرد، فضلاً عن أنه سيحرف البوصلة التركية عن الملف السوري، الذي يُجسد رأس الأفعى المتربصة بتركيا قبل غيرها.
لن تجد تركياً أفضل من هذا الوضع الذي ينتشلها من مهددات خطيرة روسية وإيرانية وطائفية، ممثلة بالعصابة الأسدية، وبالتالي فهذا المثلث هو من يحتاجها، وليس العكس، ونظراً للعلاقة الاستراتيجية بين مسعود البرزاني وأردوغان، فضلاً عن ارتباط مصالح الإقليم الكردي الاقتصادية بتركيا، فكان يمكن توظيفها بشكل أفضل في الرد على هذا الاستفتاء، وتقليص مضاره وسلبياته على تركيا.
لا ننسى أن مئات الآلاف من السنة العراقيين والسوريين، بينهم قيادات إسلامية ووطنية، لم تجد لها ملاذاً آمناً تعيش فيه إلا في مناطق الكرد، وحين يُخيّر أي عاقل سني بين أن يقيم بين ظهراني العصابة الطائفية في سوريا، المدعومة إيرانياً وروسياً، وبين أن يقيم في مناطق الكرد سيختار الثانية دون تردد، وهو ما ينطبق على الوضع العراقي أيضاً.
ما زلت أتذكر هنا ما دوّنه السلطان عبد الحميد الثاني، رحمه الله، في مذكراته، بعد خلعه عن الخلافة، حين قال في منفاه بطرابيا «غريش بورنو» الواقع على البوسفور باسطنبول: «تمنيت لو أن هذه الحرب العالمية الأولى بين الحلفاء ودول المحور حصلت وأنا في السلطة لكنت استفدت من تناقضاتها الدولية»، وهو درس للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وغيره في أن نستغل هذه الفرصة الذهبية بخلط الأوراق من جديد، وإشغال المتربصين بالأمة وبتركيا عنا جميعاً.
المصدر : العرب القطرية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن