التفكير الفعّال من خلال الرياضيات
اشتهر العرب بحبهم للألغاز، وبرعوا فيها وألفوا عنها الكتب، نشأنا ونحن نستمع إلى أجدادنا وجداتنا عن الألغاز والفوازير القديمة الجميلة التي تحرك العقل، وأطلقوا عليها "الأحاجي"، وواكبت الفوازير حضارة الشعوب، وإن كان ارتباطها في صورتها الأولى بمفهوم الصراع لأجل إزالة الحواجز وصولاً إلى حقائق الأشياء، ما أسهم في تغيير كثير من المواقف الإنسانية.
لقد تخطت هذه الألغاز وظيفة الرياضة العقلية لوظيفتها الثقافية والنفعية، إضافة إلى دورها في التسلية واعتبارها وسيلة مهمة للتربية، يعلِّم الكبار أطفالهم منها كيف ينظرون للمشكلة من كل جوانبها، مع الاحتفاظ بحسها الفكاهي.
لكن كثير من الألغاز تطورت نحو شكلها الرياضي، بعد تطور العلم، ليفك العلماء عقد الرياضيات كالأعداد النسبية، والأعداد اللانهائية والأعداد السالبة والموجبة، وعمليات الضرب والقسمة، وتجزؤ ما بين الأعداد الصحيحة، كلها أتاحت منطقاً جديداً في توليد الأفكار من انسيابية الأشكال الهندسية إلى طي الأعداد الصحيحة، أو الرجوع إلى الأعداد السالبة في #التفكير.
قبل الخطوات، علينا معرفة أن عناصر العالم هي التربة والماء والهواء والنار، فهمنا العميق يرتبط بالتربة، وارتكاب الأخطاء بالنار؛ لأنها مخيفة، وطرح الأسئلة بالهواء، فهي تجول في بالنا دائماً، وتتدفق الأفكار كما تتدفق المياه في الينابيع.
إن من أهم عناصر التفكير هو طرح الأسئلة باستمرار، ولكن ما هو السؤال الفعلي بالنسبة لموضوع التعليم؛ لكي تتحول إلى مفكر؟ وهل تتمدد الأسئلة مثلما تتمدد الجذور الأسية للأعداد؟ لذا سنتطرق في هذا المقال لاستراتيجيات التفكير الفعّال من خلال الرياضيات من خلال:
- الأشكال الهندسية المرنة:
لو نظرنا إلى العالم الذي نعرفه، ونتخيل أحد سماته قد تغيرت عن الواقع، مستكشفين عواقب هذا التغيير، وكيف سيكون شكل العلاقات في عالم مختلف، وكانت نظرتنا متماسكة لمجموعة من الأفكار الجديدة، ثم أعدنا النظر إلى الأشياء من واقع الهندسة المرنة، عالم مصنوع من المطاط، يمكن خلاله تكبير الأمور وتصغيرها كما نشاء، مع قواعد تمنع الانسيابية، مثلاً شكل الدائرة من خلال تكبيرها لتصل إلى حجم القمر، أو لفها ومدها وثنيها..إلخ، كم حجم الأشياء التي من الممكن توليدها من الدائرة لو مددنا أحد أطرافها؟ ما الذي يمكن أن يرسمه الطفل الصغير على ورقته من الدائرة؟ اطلب منه أن يحولها إلى فنجان قهوة دون ثنيها أو قصها، أو دون "خبز مقلي" حاول التجربة مع الأطفال.
الأشكال الهندسية المرنة تعطينا استراتيجية جديدة لأفكار مرنة، لقراراتٍ جديدة خصوصاً لتلك المناطق التي لا تعيش الاستقرار. إنه عالمٌ مرن قابل للطي والثني.
الأشكال الهندسية المرنة تعطينا استراتيجية جديدة لأفكار مرنة، لقراراتٍ جديدة خصوصاً لتلك المناطق التي لا تعيش الاستقرار. إنه عالمٌ مرن قابل للطي والثني
-الأعداد السالبة والنسبية وعمليات الضرب والقسمة
لعبة الأعداد هي الأجمل في فهم توليد الأفكار الجديدة، وقد بات من الضروري تعليم الأطفال عليها من سن مبكرة، ولفهم أكثر للموضوع، علينا قراءة استراتيجية اكتشاف النمط التي أساسها رياضي، ولبيان كثير من المشكلات الحياتية كما الرياضيات تتبع نمط معين، فإذا تم اكتشافه، تستطيع أن تستخدمه لحل المشكلة ذاتها، وغيرها من المشكلات التي تنطبق عليها نفس الظروف، كمسألة الفرق بين المربعين، وإثبات أن الأعداد الأولية غير منتهية.
حرصت الكثير من وزارات التربية والتعليم العربية على إدخال استراتيجيات النمط في مناهجها، مبتدئة بشكل مبسَّط في الصفوف الأساسية، كوضع عدة صور مكررة في مربع مقطع الشكل بطريقة ما، ثم الطلب من التلميذ معرفة وتوقع الصور القادمة على شكل النمط، وفي الصفوف الثانوية جاءت على شكل أسئلة استقرائية مبسطة.
وللوقوف على استراتيجية تجزئة المشكلة إلى معاملاتها البسيطة، باستخدام القياس النمطي للوصول إلى حقيقة أن الأعداد الأولية أعداد لا نهائية، من خلال بيان وحدة بناء الأعداد الصحيحة باستخدام الواحد الصحيح مع عملية الجمع، أي يمكن بناء الأعداد الصحيحة باستخدام الواحد، وعليه لا يوجد وحدة بناء للأعداد الصحيحة تحت عمليات الضرب، ويوجد أعداد لا يمكن تكوينها من أعداد غيرها، وهي الأعداد الأولية.
في كل موقف من مواقف حياتك حاول أن تكبح حواسك، عندما تمر بخاطرك فكرة لا تهملها، بل تتبعها كما تتبع الأعداد، قسّمها وجزّئها، وعد للخلف حتى تخترق الصفر نحو السالب، فانظر للمشكلة بوجهها السالب، وعد لتتوقع العدد الموجب منها، فقد يكمن بها الحل، واسأل نفسك دائماً لو فعلت كذا أو كذا ما الذي سيحصل، ولا تقفز بعيداً عن أفكارك، حاول أن تفكر بالخطوة التالية مباشرة، وتتأكد من فعاليتها، ولا تجعلها عدداً أولياً.
في كل موقف من مواقف حياتك حاول أن تكبح حواسك، عندما تمر بخاطرك فكرة لا تهملها، بل تتبعها كما تتبع الأعداد، قسّمها وجزّئها، وعد للخلف حتى تخترق الصفر نحو السالب، فانظر للمشكلة بوجهها السالب، وعد لتتوقع العدد الموجب منها، فقد يكمن بها الحل
-الأعداد غير النسبية
لا يكفي أن يكون لك عقلٌ جيد، الأهم أن تستخدمه بشكل فعّال. يُحكى أن ملكاً يونانياً أراد معرفة ما إذا كان تاجه مصنوعاً من الذهب الخالص أم لا دون أن يتلفه؟ فطلب من عالم الرياضيات الشهير أرخميدس حل هذه المشكلة، أعْمَل أرخميدس عقله، وقادته أفكاره المتتابعة إلى واحدة من أهم القواعد العلمية، وهي ما يعرف بقاعدة أرخميدس الشهيرة "قاعدة الأجسام المغمورة"، لقد توصل أرخميدس إلى هذه القاعدة من خلال معالجة الأفكار وتطويرها، والأسئلة التي من أجلها أن تساعدك في تطوير أفكارك بإثارة الدافعية والحماس، والتقدم في الأفكار التحسينية، استخدم الأسئلة باستمرار كما يفعل الأطفال، وحاول استخدام الأسئلة المفتاحية، مثل لماذا أفكر بهذه الطريقة؟ ما هي المعلومات السابقة التي يجب أن تتوفر لدي قبل البدء بحل المشكلة؟ هل هناك أمثلة ذات صلة؟ هل مررت بتجربة مشابهة؟ هذه الأسئلة من شأنها دفع عجلة التفكير خطوات كبيرة للأمام.
في زمن اليونان اكتشف أحد طلاب فيثاغورس أن "جذر2" عدد غير نسبي، فكان نصيبه القتل، لكن اليوم بحرية يمكننا أن نبين أن "جذر2" عدد غير نسبي بالاعتماد على استراتيجية التناقض، وعليه تلعب استراتيجية حل المشكلات من خلال استخدام المعلومات السابقة، وطرح أسئلة للوقوف على معلومات جديدة دوراً فاعلاً في بناء المعارف، كما أنها تثير حب الاستطلاع لمعرفة ما هو غامض، والوصول إلى حل له، وقد تبيّن من مراجعة أفكار الأشخاص المبدعين الذين استخدموا استراتيجية معالجة الأفكار، وتطويرها من خلال الأسئلة المتابعة اندهاش كبير من شدة دقتها وثوريتها، وقد اعتمد العالم أينشتاين، الذي اكتشف نظرية النسبية وأوصلت العالم إلى ما هو عليه الآن من تطور، وقد كان يردد دائماً ليست القضية أنني فائق الذكاء، ولكن الأهم لا أتوقف عن طرح الأسئلة!
-العد إلى ما لا نهاية
في الثقافة الشعبية، المالانهاية عادة هي شيء يمكن تشبيهه بأكبر عدد ممكن، أو أبعد مسافة ممكنة، أو هو رمز لما لا يمكن تخيل ما هو أكبر منه، ممكن حبات الرمل أو ذرات الهواء، وقد كان لدى القدماء العديد من المفاهيم حول طبيعة المالانهاية، وتعود للقرن الرابع قبل الميلاد لسقراط، ورمزها عرف عام 1655م.
إن الغموض والصراع وعدم التأكد ليست أشياء للتجاهل، ولكنها طريق لإنتاج الأفكار الواضحة، الأفكار ليست لحظية، فكلها متولدة نتيجة صراع وتجارب فاشلة وناجحة، وهي لا منتهية كما الأعداد، ومع مرور الوقت تكبر الأفكار، وتنضج لتصبح قانوناً أو قاعدة، وكثير منا راودته أفكار في يوم من الأيام وتركناها تمر، ولكن بمشاركة الأفكار ونقاشها نستخرج منها قاعدة أو نظرية.
الأفكار ليست لحظية، فكلها متولدة نتيجة صراع وتجارب فاشلة وناجحة، وهي لا منتهية كما الأعداد، ومع مرور الوقت تكبر الأفكار، وتنضج لتصبح قانوناً أو قاعدة
دائماً هناك منطق للأشياء، وهناك تشابه يمكن من خلاله توقع النتيجة القادمة، وأسهل الطرق للوصول للمتشابه لتوقع الشكل الجديد هو محاكاة الرياضيات، الذي يسمى علم "الرياضة" أو "السبورتا"، أي رياضة المخ، وتأتيك الرياضيات بعلم الاحتمالات، أو التفاضل والتكامل، وبمرونة الأشكال الهندسية وانسيابيتها؛ لكي تلائم أفكار العصر الذي نعيشه، وهي خطوة متقدمة للأطفال داخل المدارس إن تم تحويلها إلى ألعاب تغذي عقل الطفل، عتدها سيصبح قادراً على اتخاذ قرارات أكثر سلاسة، وتوليد أفكار أكثر مرونة تحرك المجتمعات بشكل كامل نحو النهضة، وعلينا أن لا ننسى الفكرة تبدأ من عند الطفل.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة