حاصلة على شهادة ليسانس في الدراسات الإسلامية - لبنان
من الطابق الرابع!!!
كان ابن شقيقتي الصغرى في الثالثة من عمره عندما رمى صوصه الذي اشترته له أختي من على شرفة المنزل الكائن في الطابق الرابع!!!
يومها قالت له والدته- أثناء محاولاته السابقة لرميه والتي كانت تبوء بالفشل لاكتشاف أختي الموضوع - لا ترمي هذا الصوص من أعلى فإنه سيموت !!! فأجابها:" لا لن يموت !!!" .. ورماه على حين غفلة منها.. وفقد صوصه الجميل ..!!!
ومع الطابق الرابع تستمر الحكاية ...
فابنة أختي الوسطى اليوم في الرابعة من عمرها ... كانت كلما حضرت لزيارتنا تحاول الوقوف على حافة شرفة منزلنا الكائن في الطابق الرابع!!! وتحاول رفع رجليها من على أعلى الحافة للنزول إلى اﻷسفل!!!
ولطالما كنت ألتقطها وهي في بداية محاولتها للوقوف على الحافة!! أو ألتقطها وهي تنظر حولها لترى هل هناك من يراقبها قبل أن تقوم بفعلتها تلك!!
سألتها ذات مرة :" لماذا يا خالتي تحاولين الوقوف على الحافة!!!"
فقالت لي:" أريد أن أتفرج على الهرة وعلى اﻷولاد الذين يلعبون!!! فقلت لها: عندما تريدين ذلك أخبريني .. فأنا سوف أحملك لتتفرجي كما يحلو لك!!! ولا تحاولي أنت فعل ذلك لوحدك!!!
وعادت لمحاولاتها وحيدة للصعود على أعلى الحافة ... فصرت كلما ألتقطها أحملها بين يدي لتقف على حافة الشرفة وتسعد بمراقبة الهرة ومناداتها!!
وذات مرة قالت لي: أتركيني يا خالتي أريد النزول إلى الهرة في الحديقة!! فقلت لها: يا خالتي إن نزلت من هنا فسوف تصابين بجروح وكسور وألم كبير وقد تموتين!! فقالت لي "لا" لن يحصل ذلك سوف أتمسك بهذا الحبل وأنزل !!! وكان هناك حبل يتدلى من أعلى ستائر الشرفة!!! فقلت لها:" لا يا خالتي هذا الحبل لا يحميك!! أنت لست ورقية الصنع كما هو حال الرسوم المتحركة!! ألا ترين أنك حين تقعين على اﻷرض من على الكنبة تتألمين!! وحين يخبط رأسك بالباب تنجرحين!!! فكيف بك وأنت تقفزين من الطابق الرابع!!!
مرت فترة زمنية بعدها صارت فيها ابنة أختي تقف خلف الحافة تراقب اﻷطفال دون محاولة الصعود !! ثم بعد عدة أسابيع عادت ريما لعادتها القديمة!!!
فكان علي أن أعاود إقناعها بخطورة هذا الفعل ... فذكرتها أن الرسوم المتحركة مصنوعة من ورق إن رميناها لا يحصل لها أي مكروه ... ومن ثم بدأت بمحاورتها الدائمة لتميز بين أوهام الرسوم المتحركة وبين الحقيقة في الواقع ... واقتنعت أخيرا وصارت تعرف ما هي اﻷمور الخيالية وكيف يكون اﻷمر في الحقيقة والواقع ... فنجحت معها .. وصارت كلما أرادت أن تتفرج على الهرة واﻷولاد تناديني ﻷحملها ...
ما حصل مع أبناء أخواتي جعلني أبحث عن إجابة لسؤال أرقني ألا وهو :
لماذا تحتوي مسلسلات وأفلام الكرتون على شخصيات تطير أو تقع من أبراج عالية دون أن يحصل لها أي مكروه؟؟ وهل وراء ذلك عقيدة معينة أو فلسفة للموت والحياة يبثها معتقدوها عبر الرسوم المتحركة لﻷطفال؟؟؟
فلسفة حياة أم موت تحت المجهر!!!
إن المسلسلات الكرتونية باتمان وسوبرمان وسبايدرمان هي مسلسلات لشخصيات خيالية من إنتاجات الأربعينيات من القرن الماضي ... تحتوي هذه المسلسلات على مشاهد العنف والدمار والقتل ... وهي أفلام يحمل أبطالها القيم اﻷمريكية البعيدة عن قيم الإسلام وأخلاقه ... شخصيات هذه المسلسلات تمثل محور الخير -بحسب الفلسفة اﻷمريكية- الذي يقهر أعداءه من اﻷشرار دائما ... حيث تنتصر هذه الشخصيات على أعدائها مما يوحي للطفل أن صاحب القيم اﻷمريكية هو بطل له النصر المطلق دائما ... هذا من جهة ... ومن جهة ثانية فإن هذه الشخصيات لا تموت أبدا ولو وقعت من أعالي الجبال وأوساط السماء ولو تمزقت أجسادها بالإشعاعات وأكلت الركلات ... وهذا يعود لعقيدة عند اﻷمريكيين وهي أن الرجل اﻷمريكي رجل عظيم وهو يشكل أقوى قوة على اﻷرض وهو المنتصر دائما في كل صراعاته وحروبه وهو يشكل محور الخير وآخرها عقيدة لديه مستمدة من التلمود وهي بأنه شعب الله المختار الذي سيكتب له البقاء حتى بعد أن تمور اﻷرض وتشقق السماء وتسير الجبال وتصبح البحار سجرا ...!!! وهو لا يموت أبدا ... وهي عقيدة جنون العظمة التي لم يمنحها الله حتى ﻷنبيائه!!! ومن يشاهد اﻷفلام اﻷمريكية يجد هذه الفلسفة والعقيدة التي تحمل تحد كبير لإرادة الله تبارك وتعالى وكفر صارخ به تتجسد في القصص والسلوكيات ...وما فيلم "نهاية العالم 2012" منها ببعيد...
فما أثرها على أبنائنا؟؟
إن الطفل حين يشاهد هذه المسلسلات الكرتونية فإنه سيصدق أن ما يشاهده هو حقيقة وسوف يتقمص هذه الشخصيات فتجده يرغب في شراء زي باتمان وسبايدرمان ويحاول تقليدهم في قفزاتهم وحركاتهم وسلوكياتهم ويتبنى قيمهم ويتجلى ذلك أول ما يتجلى في اعتقاد الطفل أنه إن قفز من طابق رابع أو ثامن فإنه لن يحصل له مكروه وأنه بعد وصوله إلى اﻷرض سينهض ويكمل قفزاته ... هذا عندما يكون دون الثامنة من عمره ... أما عندما يصبح في الثامنة فإن ما سيعتقده هو أن من يتصف بأخلاق هذه الشخصيات يكون اﻷقوى وتكون له الغلبة والنصر فيتبنى كل قيمهم البعيدة عن القيم الربانية ..
أما حين يصبح مراهقا فيجب أن لا نستغرب إن وجدناه أمريكي الهوى غربي الثقافة مادي القيم ...
فما هي سفينة النجاة التي سنركبها مع أبنائنا لنحميهم بدل أن يركبوا سفن فيلم "نهاية العالم 2012" بعيدا عن الله ودينه الذي رضيه وارتضاه للبشرية جمعاء؟؟!!
لتزهر جنان قيمنا حتى مع أعدائنا!!!
إن فلسفة الإسلام في اﻷخلاق هي فلسفة قائمة على قيم لا تتبدل ولا تتغير حتى مع أعداء أمة الإسلام ... فالمسلم لا يكون صادقا مع المسلمين كذابا مع غيرهم ... حتى ولو خالفوه في العرق والجنس والدين ... أما اﻷمريكي فإنه يتحلى بالقيم داخل حدود وطنه ومع أبناء جنسه أما حين يصبح خارج حدود ذلك الوطن فإن المصالح هي التي ستحكمه ... فهو مستعد ﻷن يكون مسلما أكثر من المسلمين إن اقتضت مصلحته ذلك ومسيحيا أكثر من المسيحيين إن دارت المصالح معهم ... وهذه القيم هي التي يتعلمها أطفالنا ومراهقونا من أفلامهم وثقافتهم ...
فأين تكمن سفينة الحمى والنجاة؟؟؟
في عمر الثامنة تكمن النجاة في رواية قصص الغزوات والفتوحات الإسلامية منذ عهد النبي وكيف كانت أخلاقه عليه الصلاة والسلام وأخلاق الفاتحين من بعده مع أعدائهم ... حيث لم يتصفوا لا بالغدر ولا بالخيانة ولا بالكذب ...
لنرو لهم قصة صلاح الدين مع قائد الروم حين مرض أثناء أعتى وأشنع حروبه مع المسلمين ورغم ذلك أرسل له صلاح الدين طبيبه الخاص ليعالجه ...
لنكرر على مسامعهم من تاريخنا القريب قصة المجاهد عمر المختار في ليبيا زمن الاحتلال الإيطالي حيث وقع جندي إيطالي أسيرا في يد مجاهدي عمر المختار فهم أحد المجاهدين بقتل الأسير الإيطالي فمنعه عمر المختار ... فقال له المجاهد:"إنهم يقتلون أسرانا" فأجابه عمر المختار بكلمة هي سفينة نجاة وحياة أبنائنا "إنهم ليسوا قدوة لنا" ... وهذه هي العظمة لا حفلة الجنون والعبث اﻷمريكية التي تتجسد في الرسوم المتحركة وغيرها .... وبعد أن نعلمه هذه المواقف لنجلس معه أثناء المشاهدة ولنسأل الطفل حين يشاهد سلوكيات "أبطال الكرتون" في المواقف: (لو كان هذا الموقف قد حصل مع النبي أو صلاح الدين أو عمر المختار كيف كانوا تصرفوا؟؟؟ ولو حصل معك أنت كيف ستتصرف وفق رضى الله تعالى واقتداء برسول الله والفاتحين؟؟ وسوف يتعلم من خلال هذا السؤال أن يتفكر في كل ما يشاهده ... وأن يتعلم بمناقشتنا لإجاباته على هذا السؤال وتصويبنا للسلوك كيف يكون المسلم عظيما حين يكون من أحاسن الناس أخلاقا ... وكيف يصل إلى العظمة من طريق الاقتداء برسول الله والفاتحين لا بجنون أمريكي واهم ...
دمتم معطرين وأبنائكم بقيم الإسلام وعبق أخلاقه التي لا يسمو عليها شعب ولا يحدها وطن ...
وإلى لقاء يتجدد ....
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
بارك الله بك وبقلمك النابض بحروف ومعاني الانسانية